للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكثرة الجدل والمناظرات والردود، حتى أصبح الأمر يستدعي وضع قوانين وقواعد للحوار والمناظرة. فظهر كتاب ابن سحنون "أدب الجدل" (١)، استجابة لهذه الضرورة وملئًا لذلك الفراغ.

وقد اختلفت نظرة العلماء لهذه الظاهرة؛ فالحجوي اعتبر ذلك بلاءً، وقال في حديثه عن ابن سحنون: "ألف في فنون كثيرة كالحديث والفقه والتاريخ وأدب المناظرة والخلافيات التي ابتلي بها ذلك العصر" (٢).

ومهما يكن من أمر فإن المسألة لها ارتباط بظروف المذاهب الناشئة التي تجادل وتناظر من أجل الحفاظ على نفسها، إذ السمة البارزة لهذا العصر هي احتدام الصراع بين المذاهب، فكان لا بد للمالكية من نظار ينافحون ويذبون عن مذهبهم في خضم هذا النزاع المذهبي.

وكان من أشهر المناظرين محمد بن سحنون الذي يبدو أنه كان يهيأ من صغره لهذه المهمة، فقد أخذ مواد الخلاف العالي عن كبار العلماء، وكان يناظر أباه (٣). فحرص هذا الأخير على تخريجه مناظرًا ألمعيًا. فلم يبخل عليه بالتوجيه والتسديد. ومن جملة ما وجه له في هذا الشأن قوله: "يا بني إنك ترد على أهل العراق، ولهم لطافة أذهان وألسنة حداد. فإياك أن يسبقك قلمك لما تعتذر منه" (٤).

وقد جر له هذا المسلك الذي سلكه خصومات وعداوات خاصة مع سليمان بن عمران الحنفي الذي ناصبه العداء بسبب كثرة ردوده على الأحناف (٥).


(١) لقد اعتبر الحجوي ابن سحنون أول من ألف في علم الجدل والمناظرة ثم بعده القفال الشاشي من الشافعية. الفكر السامي٣/ ٩٩ و ١٢٩.
(٢) الفكر السامي ٣/ ٩٩.
(٣) ترتيب المدارك ٤/ ٢٠٥.
(٤) رياض النفوس ١/ ٤٤٣ وترتيب المدارك ٤/ ٢٠٨.
(٥) ترتيب المدارك ٤/ ٢١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>