للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن المديني وأبو إسحاق بن المضاء على الحال وهما على الجمال، وكان ابن عبدون حنفيًا رجل سوء" (١).

وإن كان بعض المالكية أيضًا يسلكون هذا النوع من التصرف، إلا أنه لم يصل إلى هذه الحدة. فهذا يحيي بن عمر السالف الذكر، وقد كان "شجا على العراقيين" (٢) أقصى ما فعله قوله في إحدى مجالسه، وقد حضر رجل من أهل العراق: "من كان هنا من أهل العراق فليقم عنا" (٣).

هكذا كان وضع المالكية مع الأحناف وغيرهم من المذاهب السنية، لكن بعد قيام دولة للشيعة العبيديين في المنطقة سنة ٢٩٧ هـ تغير وضع المذهب المالكي؛ إذ دخل في مواجهة شاملة مع العبيديين لا تقتصر على الفروع بل تتعداها إلى أركان الأصول، إذ كثير من المالكية كانوا يرون كفر بني عبيد (٤). ومما زاد وضع المالكية تعقيدًا مع العبيديين كونهم لا يؤمنون بالحوار ولا بالنقاش ولا بالمناظرة، بل يؤمنون فقط بالبطش والقهر. فهذا المزدي قاضي العبيديين جمع الفقهاء للمناظرة فاستجابوا له فقال: "إني أمرت أن أناظركم في قيام رمضان، فإن وجبت لكم حجة رجعنا إليكم، وإن وجبت لنا رجعتم إلينا. قال ابن الحداد: فقلت له: ما تحتاج إلى المناظرة، فقال لي لا بدّ منها. فقلت له: شأنك وما تريد. فقال: ألستم تعلمون وتروون أن النبي- صلى الله عليه وسلم - لم يقم إلا ليلة ثم قطع، وأن عمر بن الخطاب هو الذي استن القيام، وقد جاء في الحديث الذي تروونه ونرويه أن كل محدثة بدعة، وأن كل بدعة ضلالة، وأن كل ضلالة في النار؟ فقلت له: هذه البدعة من البدع التي يرضاها الله عز وجل، ويذم من تركها. فقال: وأين تجد ذلك في كتاب الله عز وجل؟ فقلت له: في كتابه المنزل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد.


(١) معالم الإيمان: ١١٦ وما بعدها.
(٢) ترتيب المدارك ٤/ ٣٦٣.
(٣) يقصد بأهل العراق الأحناف.
(٤) ترتيب المدارك ٤/ ٣٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>