للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن علماء القيروان حتى يتمكن أعداؤهم منهم، فيكونوا هم الذين قتلوهم لا نحن فنستريح منهم، وظن أن قتل شيوخ القيروان وأئمة الدين سيتيح له فرض مذهبه وبسط سلطانه. لكنه لم يكن يدري أنه وضع نهاية ثورته بخيانته تلك. فبعد أن قتل من صلحاء القيروان وفقهائها من أراد الله سعادته ورزقه الشهادة، غضب من بقي على قيد الحياة وفارقوا أبا يزيد" (١).

بعد هزيمة أبي يزيد الخارجي ازدادت أحوال المالكية سوءًا مع الفاطميين، واستمروا على ذلك الوضع إلى أن خرج العبيديون إلى مصر سنة ٣٦١هـ، وجاء بعدهم خلفاؤهم الصنهاجيون، فخفت حدة التوتر. ولم تزل إلا سنة ٤٣٣ هـ على يد ابن باديس.

وخلال هذه الفترة -أعني النصف الثاني من القرن الرابع إلى النصف الثاني من القرن الخامس- امتاز الدرس الفقهي بالاتجاه نحو التخفيف من التأصيل (٢) والتقليل من الأدلة والميل إلى جمع فروع المذهب المشتتة في الأمهات مع الاختصار في العبارة، وقد كان رائد هذا الاتجاه أبو محمد بن أبي زيد القيرواني، جامع المذهب وشارح أقواله. فاشتغل من جاء بعده بما كتبه ابن أبي زيد. وقد حاول البراذعي محاكاته في نهجه فألف مختصره، إلا أنه لم يلق قبولا لدى معاصريه. فقد كانوا ساخطين وناقمين عليه لموالاته بني عبيد، إذ كان يقبل هداياهم، وألف كتابًا في تصحيح نسبهم (٣). وقد حاول البراذعي إقناع أهل القيروان بالانتفاع بعلمه، فجاء بكتابه المختصر إلى الشيخ أبي محمد بن أبي زيد، فأمر بحرقه أو محوه، وعاوده وأتى به إليه وأنشده:

خذ العلوم ولا تعبأ بناقلها ... واقصد بذلك وجه الخالق الباري

أصل الرواية كالأشجار مثمرة ... اجن الثمار وخل العود للنار


(١) الأثر السياسي والحضاري للمالكية في شمال إفريقية. محمد أبو العزم داود ص:٢٠٤.
(٢) تطور المذهب المالكي في الغرب الإسلامي لمحمد شرحبيلي ص ٤٠٧.
(٣) ترتيب المدارك ٧/ ٢٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>