للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في السمع. والثاني لا يقل حدة ولا خشونة عن الأول، فقد واجه به صاحبه ووضعه في موضع حرج، حتى تغير وجهه. يقول التنبكتي: "ويذكر أنه لما اجتمع بابن عرفة في تونس، أراه ما كتب من مختصره الفقهي وقد شرع في تأليفه. وقال له القباب: ما صنعت شيئًا فقال له ابن عرفة: ولما؟ قال: لأنه لا يفهمه المبتدئ ولا يحتاجه المنتهي. فتغير وجه الشيخ ابن عرفة ... " (١).

والنص لا يحتاج إلى تعليق فهو يطفح خشونة وحدة.

ومما يؤكد ما سبق أن الشاطبي لاحظ هذه الحدة والخشونة في أسلوب القباب من خلال مراسلته معه في مسألة رعي الخلاف، فأظهر تبرمه واستثقاله من ذلك واضطر إلى أن ينبهه عليه.

والمسألة كما حكاها صاحب المعيار؛ أن الشاطبي لما كتب إلى القباب يتدارس معه مسألة رعي الخلاف استهل القباب جوابه بقوله:

"فاعلم أن مراعاة الخلاف من محاسين هذا المذهب.

وكم من عائب قولاً صحيحًا ... وآفته من الفهم السقيم" (٢)

فكان من جواب الشاطبي ما نصه:

"وجرى في كلامكم عن هذه المسألة أنكم لما حكيتم عن العلماء استشكال القول بمراعاة الخلاف، نزعتم بالبيت إلى من استشكله فهو بعيد الفهم عن الصحة. وأنا يا سيدي أستثقل الحوم حول هذه المنازع التي تشير إلى استنقاص من تقدم من أهل العلم المستشكلين، إذ منهم أبو عمر بن عبد البر وسواه وإن كانت الإشارة على بعد. وأنتم أعرف بما فيها منا، وإنما حسن النظر معهم أن يكون على جهة الاستشكال وتوقف الفهم عما أرادوه فهو أليق بأدب العلماء، وأخلاق الفضلاء وأحرى بتنوير القلب وانشراح


(١) المصدر السابق.
(٢) المعيار ٦/ ٦٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>