الصدر وأجلب فائدة في الدنيا والآخرة والمقصود بعد ذلك حاصل إذ تبين فيه الإشكال وظهر ما هو الصواب فإن ظهر الصواب خلاف ما قالوه التمس لهم أحسن المخارج واحمل كلامهم على أقرب ما يليق به من مناحي الصحة ... فهذا الذي يظهر لي وبالله التوفيق." (١).
وبهذا يتبين والله أعلم أن الإمام القباب كان يسبقه القلم بعض الأحيان ويجره نحو المبالغة في التجريح.
والوقوف على هذه القضية مفيد جدًا، فمعرفة شخصية الناقد وطبعه وأسلوبه واستحضار كل ذلك، يساعد على استخراج الحقيقة من مخابئها. ومن غابت عنه هذه المسألة اختلطت عليه الأمور، وسوى بين انتقاد ابن حزم وغيره من العلماء!
وقد تنبه علماء الجرح والتعديل إلى هذه القضية فقسموا الخائضين في هذا العلم إلى ثلاثة أقسام؛ قسم المتشددين وقسم المعتدلين وقسم المتساهلين. ولكل قسم منهم نظر خاص به.
بعد هذه التوطئة، أرجع لأقف بتأن وروية مع هذا الانتقاد اللاذع الذي صدر من القباب وتبناه الشاطبي، لنرى إلى أي حد هو صحيح أو مبالغ فيه.
فأقول إنه بعد إمعان النظر وإجالة الفكر في حيثيات هذا الحكم القاسي وحججه وبراهينه، لم أظفر بشيء يقنعني وتطمئن إليه نفسي. فالقباب أرسل كلمته مجردة من أي تعليل. والشاطبى قال كلامًا مجملًا، وكل ما ذكروه هو:
أن ذلك بسبب الخبرة عند النظر في كتب المتقدمين مع كتب المتأخرين.
وأن بعض من لقيه من الفقهاء- ويقصد القباب- أوصاه بالتحامي عن كتب المتأخرين.