للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأن ذلك راجع تارة للجهل بمؤلفيها وتارة لتأخر زمان أهلها جدًا أو للأمرين معا.

أما بالنسبة للسبب الأول فهو كلام مجمل غير مبين، فكأنه يريد أن يقول بأنه قارن كتب المتقدمين وكتب المتأخرين وتوصل إلى أن كتب المتقدمين أفضل من كتب المتأخرين، ويا ليته وضح وجه الأفضلية وطريقة توصله إلى ذلك، وأماط اللثام عن هذا الكلام المجمل.

وأما السبب الثاني فهو وصية ومحض نصيحة، ويبقى أيضًا كلامًا خاليًا من التعليل.

وبالنسبة للسبب الثالث فهو البين الواضح الذي بني عليه الشاطبي دعواه، ولكنه للأسف الشديد سبب لا يليق بالشاطبي أن يعتمد عليه ويبني عليه حكمًا كهذا. فمتى كان التأخر أو التقدم مقياسًا لجودة الكتاب أو رداءته؟

ولو طبقنا هذه القاعدة على الشاطبي وشيخه القباب لكانا أشد إفسادًا من ابن بشير وابن شاس وابن الحاجب لأن هؤلاء متقدمون عنهما. والشاطبي والقباب أكثر تأخرًا منهما. والواقع يدل على غير ذلك فما كتبه الشاطبي أفضل وأجود مما كتبه كثير من المتقدمين.

ولكن يبدو أن الشاطبي وشيخه بنيا حكمهما على ما هو شائع عند الناس من أن كل متقدم جيد، وكل متأخر رديء. يقول الفخر الرازي: "من القضايا الغالبة على الأوهام، أن كل ما قدم فهو أكمل وأتم" (١). وهذه من أخطر القضايا المثبطة للهمم والعزائم. يقول الحافظ ابن عبد البر: وما كان أضر بالعلم والعلماء والمتعلمين من قول القائل ما ترك الأول للآخر شيئًا (٢) ..

وقد رد ابن خلدون على هذا الوهم عندما تحدث عن ابن هشام وما وصل إليه من منزلة عالية في علم النحو لم يصل إليها إلا سيبويه وابن جني


(١) شجرة النور التتمة ص: ١٣٦.
(٢) التراتيب الإدارية عبد الحي الكتاني ١/ ٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>