للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

على أن بعض النجاسة يجوز استعماله على وجه، كأكل الميتة للمضطر، وشرب الخمر والبول في حال ما، وليس لقولنا: "نجس" أكثر من أن الحكم فيه أنه لا يستعمل بانفراده، فيجوز أن يزول هذا الحكم في موضع آخر، وهو إذا خالطه غيره فغلب عليه.

وعلى أنه إذا اعتبر مذهب أبي حنيفة في ذلك حق الاعتبار أدى إلى خرق الإجماع، وذلك أن بحار الدنيا لا تخلو من الأنجاس، ولو تحققنا نجسا وقع في موضع منها بعينه، مع علمنا أن عين الماء لا تنقلب، وإنما يتنجس الجزء الذي يجاور ذلك الجزء الذي يجاور النجس، وكذلك كل جزء مجاور للجزء النجس تنجس، فيؤدي هذا إلى [أن] (١) البحار العظيمة المتصلة نجسة لا يجوز استعمال شيء منها.

ومثال هذا: أن كوزا فيه ماء حلت فيه نقطة ماء نجس، أو أكثر منها فإنه يكون نجسا كله، وعلى هذا التقدير بصبه في أكثر منه يتنجس حتى يؤدي ذلك إلى ما لا نهاية له، وهذا شنيع جدا.

وعلى أن هذا المذهب يخالف إجماع المسلمين؛ لأنهم قد أجمعوا على أن نقطة بول أو خمر لو وقعت في غدير كبير لم ينجس، وأبو حنيفة يقول: لو وقعت نقطة من ذلك في كوز نجس ماء الكوز بها، ولو صب الكوز في الجب وصب ماء الجب في أجباب، ثم قلبت في هذا الغدير العظيم بحيث يتحرك الغدير بوقوع هذا الماء فيه أن الغدير نجس كله، فنجسوا ما اتفق المسلمون عليه أنه لا ينجس، وقد علمنا ضرورة أنه لم تحصل فيه كله إلا النقطة التي


(١) ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل والمطبوع.

<<  <  ج: ص:  >  >>