للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولأن ما يخرج عن طريق المرض فقليله وكثيره ربما اتفق وربما اختلف، وفي سائر الدماء سوى دم الحيض فقليله يخالف كثيره لموضع الضرورة، وهو أن الإنسان لا يخلو في غالب حاله من بثرة (١)، أو دُمّل، أو ذباب، أو برغوث، فعفي عن القليل منه، ولأجل هذا حرم الله تعالى المسفوح منه فقال: ﴿أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا﴾ (٢)، فدل على أن غير المسفوح ليس بحرام، وأحل تعالى من جنسه الكبد والطحال (٣).

وقالت عائشة : "لو حرم قليل الدم لتتبع الناس ما في العروق، ولقد كنا نطبخ اللحم والبرمة تعلوها الصفرة" (٤).


(١) البثرة جمعها بثور: وهي نفاخات مملوءة ماء تظهر على جلد الإنسان. المعجم الوسيط (٣٨).
(٢) سورة الأنعام الآية (١٤٥).
(٣) وقد ورد ذلك في حديث ابن عمر مرفوعا: "أحلت لنا ميتتان ودمان، فأما الميتتان: فالحوت والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال". أخرجه ابن ماجه (٣٢١٨) وأحمد (٢/ ٩٧) والدارقطني (٤/ ٢٧١) والبيهقي (١/ ٣٨٤) وقال بعد أن أخرجه موقوفا على ابن عمر: ومداره على أولاد زيد بن أسلم: عبد الله وأسامة وعبد الرحمن، قال البيهقي: "أولاد زيد هؤلاء كلهم ضعفاء، جرحهم يحيى بن معين، وكان أحمد بن حنبل وعلي بن المديني يوثقان عبد الله بن زيد، إلا أن الصحيح من هذا الحديث هو الأول". يعني وقفه على ابن عمر. وتعقبه ابن التركماني فقال: "وإذا كان عبد الله ثقة على قولهما دخل حديثه فيما رفعه الثقة، ووقفه غيره على ما عرف، لا سيما وقد تابعه على ذلك أخواه، فعلى هذا لا نسلم أن الصحيح هو الأول".
قلت: وحتى على القول بصحة الموقوف دون المرفوع فإن الموقوف في حكم الرفع هنا، وقد أشار البيهقي نفسه إلى هذا بعد أن أخرج الحديث موقوفا على ابن عمر فقال: "وهو في معني المسند".
(٤) أخرجه ابن جرير في تفسيره (٤/ ٣٣٨٤) عن عكرمة من قوله، وإسناده صحيح.
وأخرج ابن جرير عنها (٤/ ٣٣٨٤) من طريق القاسم بن محمد عنها أنها كانت لا ترى بلحوم السباع بأسا، والحمرة والدم يكونان على القدر بأسا، وقرأت هذه الآية: ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا =

<<  <  ج: ص:  >  >>