للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وجواب آخر وهو أنه لو ثبت الحد فيما رويتموه لم يمتنع أن يكون متقدما، ثم يرد ما فيه زيادة حكم، وقد روينا عن أبي بن عمارة ما رواه عن النبي من مضيه إلى السبعة، ثم قال: "نعم وما بدا لك" (١).

وقبول الزيادة في الحكم يجوز، فتستعمل الأخبار كلها، فمن اختار أن ثلاثا جاز، ومن اختار التجاوز جاز.

وجواب آخر: وهو أن النبي تكلم على الغالب من أمر المقيم أنه يمسح يوما وليلة؛ لأنه أكثر ما يلبس في الحضر، وأن الغالب من المسافر أن يبقى خفه في رجله ثلاثة أيام، وأمر بالاختيار من ذلك، ولم يُرِد منع من تجاوز ذلك، ولا جعله حدا لا يتجاوز، ولو أراد ذلك لأكده بأن يقول: ولا يجوز تجاوز ذلك، حتى لا يختلف فيه، فلما وقع خلاف الصحابة في ذلك علم أنه لم يُرد الحد.

فإن قيل: فقد روى عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه أبي بكرة أنه قال: "رخص رسول الله للمسافرين ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم في يوم وليلة إذا تطهر ولبس الخفين أن يمسح عليهما" (٢).

وهذا أجود خبر لهم، والاستدلال لهم به من وجهين:

أحدهما: كما استدلوا به من الأخبار المتقدمة.

ووجه آخر: وهو أن الراوي: قال أرخص في المسح، والرخصة هي ورود إباحة على أصل محظور (٣)، فعلم أن المسح على الخفين كان محرما


(١) تقدم تخريجه (٣/ ٤٠٣).
(٢) تقدم تخريجه (٣/ ٣٨٩).
(٣) قال الشاطبي: الرخصة ما شرع لعذر شاق، استثناء من أصل كلي يقتضي المنع، مع الاقتصار=

<<  <  ج: ص:  >  >>