للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والدليل لقولنا وقول الجماعة هو أنه محدث قبل التيمم، فمن زعم أن حدثه ارتفع فعليه الدليل.

وأيضا ما روي عن عمرو بن العاص أنه قال: "ولّاني النبي غزاة ذات السلاسل، فأجنبت، فخشيت إن اغتسلت هلكت، فتيممت وصليت بالناس، ثم أتيت النبي ، فأخبرته، فقال: أصليت بالناس وأنت جنب؟ فقلت: قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ (١) فضحك مني" (٢).

فموضع الدليل هو أنه سوغ له التيمم، وسماه مع ذلك جنبا (٣).


(١) سورة النساء، الآية (٢٩).
(٢) تقدم تخريجه (٣/ ٣٩٠).
(٣) وقد تقرر عند علماء العربية أن وقت عامل الحال هو بعينه وقت الحال، فالحال وعاملها إذًا مقترنان في الزمان، فقولك: جاء زيد ضاحكا مثلا، لا شك في أن وقت المجيء هو بعينه وقت الضحك، وعليه فوقت صلاته هو بعينه وقت كونه جنبا، لأن الحال هي كونه جنبا وعاملها قوله "صليت"، فيلزم أن وقت الصلاة والجنابة متحد، ولا يقدح فيما ذكرنا أن الحال المقدرة لا تقارن عاملها في الزمان، كقوله تعالى: ﴿سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾ لأن الخلود متأخر عن زمن الدخول، أي مقدرين الخلود فيها، لأن الحال في الحديث المذكور ليست من هذا النوع، فالمقارنة بينها وبين عاملها في الزمن لا شك فيها، وإذا كانت الجنابة حاصلة له في نفس وقت الصلاة كما هو مقتضى هذا الحديث فالرفع المؤقت المذكور لا يستقيم، ويمكن الجواب عن هذا من وجهين: الأول: أنه قال له: "وأنت جنب" قبل أن يعلم عذره بخوفه الموت إذا اغتسل، والمتيمم من غير عذر مبيح جنبٌ قطعا، وبعد أن علم عذره المبيح للتيمم الذي هو خوف الموت أقره وضحك، ولم يأمره بالإعادة، فدل على أنه صلى بأصحابه وهو غير جنب، وهذا ظاهر الوجه.
الثاني: أنه أطلق عليه اسم الجنابة نظرا إلى أنها لم ترتفع بالكلية، ولو كان في وقت صلاته غير جنب، كإطلاقه اسم الخمر على العصير في وقت هو فيه ليس بخمر في قوله: ﴿إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا﴾ نظرا إلى ماله في ثاني حال، والعلم عند الله تعالى. أضواء البيان (١/ ٢٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>