للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يفرق فيما يتأذى به بين قليله وكثيره.

وعلى أنه قد بينه النبي بقوله: "دم الحيض أسود ثخين له رائحة" (١)، فكأن الله تعالى قال: قل هو أذى إذا كانت صفته ما قال النبي ؟

فإن قيل: فإن قياسكم دم الحيض على دم النفاس لا يستقيم؛ لأن العلة في دم النفاس أنه يجوز أن يزيد على خمسة عشر يوما.

وأيضا فإن أقله قد وجد.

قيل: علتكم هذه لا تتعدى، ولا تصح على أصل أبي حنيفة، وعلى أصحاب الشافعي تصح، ولكن علتنا المتعدية أولى منها.

ثم إذا جاز أن يكون أقل النفاس دفعة من دم كان في الحيض أجوز؛ لأن دم النفاس يجتمع في الرحم على الحمل ويكثر، فكان ينبغي أن لا يعتد بقليله، بل يزاد في أقله كما زيد في أكثره، وأن ينقص من قليل الحيض كما نقص في أكثره عن النفاس، فلما اعتد بالأقل في النفاس كان في الحيض أولى.


= الثاني: دم، قاله مجاهد. الثالث: نجس. الرابع: مكروه يتأذى بريحه وضرره أو نجاسته. والصحيح هذا الرابع بدليلين: أحدهما: أنه يعمها. والثاني: قوله تعالى: ﴿إِن كَانَ بِكُمْ أَذَىً من مطَرٍ﴾ ويصح رجوعه إلى الاحتمالات الثلاثة المتقدمة، وتقديره: يسألونك عن موضع الحيض، قل: هو أذى، فيكون رجوعه إلى حقيقة المحيض مجازا، ويكون رجوعه إلى مجازه حقيقة، وهذا من بديع التقدير".
وقال الجصاص بعد ذكره أنه هنا بمعنى النجس: "وإنما كان الأذى المذكور في الآية عبارة عن النجاسة ومفيدا لكونه قذرا يجب اجتنابه لدلالة الخطاب عليه، ومقتضى سؤال السائلين عنه". أحكام القرآن (١/ ٤٠٨).
(١) تقدم تخريجه (٣/ ٤٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>