للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قيل له: يجوز الحمل مع عدم الحيض، ويجوز الحيض مع عدم الحمل، ويجوز اجتماعهما على ما بينا، وإنما لم يجز أن تحمل الحامل من أجل شغل الموضع بالحمل، كما لا يجوز كون الجسمين في محل واحد؛ لأن أحدهما قد يشغل المكان، فمنع غيره من الحيز الذي حصل فيه، ولم ينتقل عنه، فسبيل الحمل الموجود هذا السبيل، وليس كذلك الحيض؛ لأنه ليس بمستحيل وجوده مع الحمل، كما لا يستحيل (٢٥٨) وجوده مع الحائل.

وقد روي عن عائشة أنها كانت تفتي النساء الحوامل إذا حضن أن يتركن الصلاة (١)، والصحابة إذ ذلك متوافرون، ولم ينكر أحد منهم عليها، ولو خالفها أحد منهم لكان قولها أولى لاختصاصها بعلم أحكام الحيض، وأنه مما يختص به النساء، ولقربها من رسول الله ، مع ما يعتادها من الحيض، ولكثرة أسئلة النساء عن ذلك، بحيث تكون هي ولا يكون الرجال، فكيف ولم ينقل عن أحد منهم خلافها؟ فصار هذا كالإجماع.

ثم نقول أيضًا: إن للون الدم من الدلالة على الحيض ما للحيض من


(١) رواه مالك بلاغًا عنها في الموطأ، كتاب الطهارة، باب جامع الحيضة (١٠٠) والدارمي (٩٦٤) وقال ابن عبد البر: "وذكر حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد قال: لا يختلف عندنا عن عائشة أنها كانت تقول في الحامل ترى الدم: إنها تمسك عن الصلاة حتى تطهر". الاستذكار (٣/ ٤٩٥) ورواه البيهقي (٧/ ٦٩٤)، وروي أيضًا عن أم علقمة عن عائشة زوج النبي أنها سئلت عن الحامل ترى الدم أتصلي؟ فقالت: "لا حتى يذهب عنها الدم".
وروي عنها خلاف هذا، أخرجه البيهقي (٧/ ٦٩٥) عن محمد بن راشد عن سليمان بن موسى عن عطاء بن أبي رباح عن عائشة قالت: "الحامل لا تحيض إذا رأت الدم فلتغسل وتصلي". ورواه أيضًا عن مطر عن عطاء به. وقال: "وقد ضعف أهل العلم بالحديث هاتين الروايتين عن عطاء، ثم ذكر إنكار يحيى بن سعيد له، ونقل عن الإمام أحمد قوله: خبر أم علقمة عن عائشة أصح".

<<  <  ج: ص:  >  >>