للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قيل: إذا أطلق الصحابي عن الصحابي أنه أُمِر؛ فالظاهر أن يكون أمره، ولا يطلق في ذلك إلا عنه ، وفي غيره يقال: أَمر فلان بلالًا.

وعلى أنه قد روي أنه قال لبلال: "اردد عليهم الشهادتين" (١)، فدل على أن ذلك كله كان عن أمر النبي ، وخاصة في مثل بلال خادم النبي لا يقال فيه مطلقًا: [إنه] (٢) أُمر؛ إلا والنبي أمره، وهذا كله مما لا


= وأهل الأصول في اقتضاء هذه الصيغة للرفع، والمختار عند محققي الطائفتين أنها تقتضيه؛ لأن الظاهر أن المراد بالأمر من له الأمر الشرعي الذي يلزم أتباعه وهو الرسول ، ويؤيد ذلك هنا من حيث المعنى أن التقرير في العبادة إنما يؤخذ عن توقيف، فيقوى جانب الرفع جدًّا. وقد وقع في رواية روح بن عطاء المذكورة: "فأمر بلالًا" بالنصب، وفاعل أمر هو النبي ، وهو بيّن في سياقه، وأصرح من ذلك رواية النسائي وغيره عن قتيبة عن عبد الوهاب بلفظ "أن النبي أمر بلالًا"، قال الحاكم: "صرح برفعه إمام الحديث بلا مدافعة قتيبة". قلت: ولم ينفرد به، فقد أخرجه أبو عوانة من طريق مروان المروزي عن قتيبة ويحيى بن معين كلاهما عن عبد الوهاب، وطريق يحيى عند الدارقطني أيضًا، ولم ينفرد به عبد الوهاب .. الفتح (٢/ ٥١٧ - ٥١٨).
وقال ابن حزم: "قد ذكرنا ما لا يختلف فيه اثنان من أهل النقل أن بلالًا لم يؤذن قط لأحد بعد موت رسول الله إلا مرة واحدة بالشام، ولم يتم أذانه فيها، فصار هذا الخبر مسندًا صحيح الإسناد، وصح أن الآمر له رسول الله لا أحد غيره". المحلى (٢/ ١٨٨). قلت: وقد بالغ ابن حزم في موضع آخر في الرد على من قال: إن الآمر لبلال من جاء بعد النبي فقال: وقال الحنفيون: إن الأمر لبلال بأن يوتر الإقامة هو ممن بعد رسول الله . وهذا لحاق منهم بالروافض الناسبين إلى أبي بكر وعمر تبديل دين الإسلام، لعن الله من يقول هذا؛ فما يقوله مسلم. المحلى (٢/ ١٩٢) وانظر أيضًا البدر المنير (٣/ ٣٤٥ - ٣٤٦) ويبقى أمر آخر هنا في هذا الحديث، وهو هل لفظ (أمر) هنا نص في الوجوب أو لا بد من أن ينقل الصحابي لفظ النبي كما هو مذهب داود وبعض المتكلمين زاعمين أن الصحابي قد يتوهم غير الواجب واجبًا، وما ليس بحرام حرامًا، وهو مذهب مرذول مردود.
(١) تقدم تخريجه (٤/ ٢١).
(٢) في الأصل: إنما، وما أثبته أنسب.

<<  <  ج: ص:  >  >>