للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فاتفقا على أنه مستحق للقاتل، ثم اعتذر خالد وقال: لكنني استكثرته، لما اجتمعا عند النَّبِيّ وأخبره عوف بالقصة؛ استفهم خالدا وقال: ما حملك على هذا؟ يعني مخالفة ما جعلته أنا للقاتل، ثم قال: رده عليه، فأمره بالرد، فدل على أنه مستحق، وقوله بعد ذلك لخالد: "لا ترده عليه" على وجه التغليظ لاعتراض عوف وتقريعه خالدا على ما فعل، ألا ترى أن النَّبِيّ قال: "هل أنتم تاركون لي أمرائي" (١)؛ أي فيكون معناه: لا ترده في الحال ورده في الثاني، أو لا ترده أصلا ليرتدع من يعترض على الأمير فيما يراه.

قيل: هذا من أدل دليل على صحة قولنا (٢)، وذلك أن خالدا لا يجوز له منع حق قد رجب لإنسان لأنَّهُ يستكثره، وهذا بمنزلة ما لو قال: إنني قد استكثرت للفارس ثلاثة أسهم فأنا أنقصه منه، فإن هذا لو فعله؛ لم يقبل منه بعذر ولا غيره ولكنه فهم من جعل النَّبِيّ السلب للقاتل إذا كان ذلك على صفة كان مصلحة يؤدي إليه الاجتهاد، لولا هذا لا يجوز له ما فعل، كما لا يجوز له أن ينقص الفارس.

وقول النَّبِيّ : "رد عليه"؛ لأنَّهُ رأى أن ذلك مصلحة، فلما تبين له أن ذلك مفسدة؛ منعه منه؛ (١٥) لأن الاجتهاد إليه في ذلك، ولو كان مستحقا للمددي؛ لم يعاقبه باعتراض غيره؛ لأن الله تعالى قال: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ (٣)، ولكنه لما كان الاجتهاد إليه في إعطاء السلب تارة ومنعه أخرى؛ منع منه، ألا ترى أنه لو اعترض خالد في أسهم الفارس؛ كان مخطئا لا يجوز


(١) تقدم تخريجه (٥/ ١٣).
(٢) رده ابن حزم في المحلى (٥/ ٤٠٣ - ٤٠٤) من أربعة أوجه، فراجعها.
(٣) سورة الإسراء، الآية (١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>