للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أننا قد ذكرنا أن أحبار اليهود وعلماءهم لم يظهر منهم ولا نقل عنهم التصديق بنبينا، وأنه سيبعث فيؤمنون به، مع علمهم به، ووجودهم صفته في كتبهم، وقد ذكر الله تعالى عنهم أنهم يعاندون ويكذبون.

فإن قيل: فلم فرق مالك بينهم فقال: يقاتل من بلغته الدعوة، ولا يقاتل من لم تبلغه حتَّى يُدعوا.

قيل: هو مستحب فيمن بلغته الدعوة أيضًا أن يُدعوا رجاء أن يسلموا، ومن لم تبلغه الدعوة؛ فيدعوا لجواز أن يكون فيهم جاهل يسأل عن البرهان، فيترك تقليد من قد اتبعه من أحبارهم، فإن الله تعالى خبر عنهم فقال: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا﴾ (١).

فهم مقلدون لآبائهم وعلمائهم الذين يحرفون الكلم عن مواضعه، فلا يوجب قتلهم ضمانا.

فإن قيل: فإن النساء والصبيان إنما لم تكن في قتلهم دية؛ لأنَّهُ لم يُمنع من قتلهم لحرمة أنفسهم، وإنما منع لكي لا تنقص الغنيمة، (٢٠) [فلا يكون] (٢) مضمونا، وليس كذلك من لم تبلغه الدعوة؛ لأنَّهُ منع من قتله لحرمة نفسه لأنَّهُ لم تبلغه الدعوة، وهو غير مفرط، فجاز أن يكون مضمونا.

قيل: هذا باطل؛ لأن الرهبان والشيخ الفاني قد حصل المنع من قتلهم لا لكي لا تنقص الغنيمة.

وعلى أنه لم يمنع من قتل من لم تبلغه الدعوة لحرمة نفسه لما ذكرنا؛


(١) سورة لقمان، الآية (٢١).
(٢) طمس بالأصل، والمثبت من السياق.

<<  <  ج: ص:  >  >>