فإذا قيل: إن النبي ﵇ جعل للفرس وفرض للفرس؛ فإنما فعل ذلك لأن الغالب من العرب أنها كانت تقتني العراب المحض، ففرض ﵇ لما وجده معهم.
قيل: جعل للفرس ثلاثة أسهم، وراكب البرذون هو فارس لا محالة، وفيه تنبيه على أن كل فارس هذا حكمه، سواء كانت فرسه من العراب، أو الهجن، أو البراذن، وإنما خرج فعله ﵇ مخرج البيان في أن جنس الخيل يفرض لها دون غيرها من سائر الأجناس، مثل البغال والحمير والإبل.
على أن الدلالة التي قامت لكم في فرض سهم واحد للبرذون أصلا إلا إذا هي الدلالة على أن يسهم له سهمان؛ لأن مؤنته ومؤنة العربي واحدة، وإنما زيد الفارس على سهم الراجل لزيادة مؤنته، فلا فرق بين الفرس العربي والبرذون، ونحن نقول: يسهم للخيل العراب لسرعتها، ولا يسهم للبرذون أصلا إلا إذا أجازها الولي، وهو إذا كانت العراب (٦٤) قليلة، ورأى أن يجيز البراذين والهجن؛ فإن صاحبها لا يكون راجلا، وهو فارس.
وعلى كل حال؛ فللفارس الذي هو راكب البرذون وللهجين في القتال من الهيبة والسرعة ما ليس لغيره، مع كون الجميع من جنس الخيل، وإن كانت العراب أسرع؛ فهي كما أن إناثها أسرع من ذكورها، ثم يفرض للذكور كما يفرض للإناث لكونها كلها من جنس الخيل. وبالله التوفيق.
وروي سليمان بن موسى قال: كتب أبو موسى إلى عمر: "إننا لما فتحنا تُستَر أصبنا خيلا، عراضا، فكتب إليه عمر تلك البراذن فأسهم لها"(١).
(١) أخرجه بهذا اللفظ ابن أبي شيبة (٣٣٧٤٠) وأخرجه عبد الرزاق (٥/ ١٧٧) بلفظ: "إنه كان في الخيل العراب موت وشدة، ثم كانت بعدها أشياء لسبت تبلغ مبالغ العراب، براذين =