للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكل من ترجم لابن القصار يذكر نسبته لبغداد، وهذا يدل على أن بغداد هي موطنه الأصلي، وفيها تربى وترعرع، وخاصة إذا علم أن وفاته أيضًا ببغداد.

ولم تذكر التراجم شيئًا عن نشأته وولادته وأفراد عائلته، وما ذكرته من شهرته بابن القصار ينبئ أن أباه أو أحد أجداده كان مشهورا بالقصارة، وهذا يدل على أن ابن القصار نشأ في بيت فقير أهله، خامل ذكره، ولعل هذا يكون من أهم الأسباب التي جعلتنا لا نعرف شيئًا عن مولده ولا نشأته، ولم يتعرض من ترجموا له لشيء من ذلك، ومع ذلك فلا يمكن اعتبار هذا هو السبب الوحيد لهذا الأمر؛ لأن العالم إذا اشتهر في الآفاق اشرأبت لمعرفته الأعناق، وتساءل الناس عن أصل هذا العالم ونشأته وعائلته، وكيف تربي وترعرع وتعلم، حتى يصير ذلك مشهورا عند العامة بله الخاصة، ومن تأمل حال كثير من المترجَمين وجد الأمر كذلك؛ لأن الإنسان عندما يولد لا يعرف هل يصير له شأن أو لا، وهل يكون من العلماء أو المشهورين أو لا، لكن بعدما يصلون إلى تلك الدرجات، ويبلغون تلك المراتب العليات يميل الناس إلى البحث عن أصلهم ومنشئهم، إذ العادة في الناس بذلك جارية، وفي نفوسهم سارية، ولو من باب حب الفضول عند بعضهم، وعند البعض الآخر من باب التأسي والاستفادة من كيفية التربية ومراحلها وطرقها الموصلة إلى ذلكم المقام العلي، والذكر الشذي (١).


= سمي القصار، وقصرت الثوب تقصيرا مثله، والقصار والمقصر المحوِّر للثياب؛ لأنه يدقها بالقصَرة التي هي القطعة من الخشب، وحرفته القصارة، والمقصرة خشبة القصار".
(١) انظر ما ذكره الحجوي حول أهمية هذه الحقبة في تكوين العالم في الفكر السامي (١/ ١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>