للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فأمر تعالى بضرب الرقاب، حتى إذا أثخناهم شددنا الوثاق، وهذا عند أسرهم، ثم خيَّرنا في المنّ عليهم أو الفداء، وهذا نص في جواز المن والفداء.

فإن قيل: فإن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ﴾ (١) في سورة براءة، وهي آخر ما أنزل من السور، وقوله: ﴿فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ﴾ في سورة محمد ، والمتأخر ينسخ المتقدم (٢).

والوجه الآخر: ما روي عن ابن عباس أنه قال: "قوله ﴿فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ منسوخة بقوله: ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ﴾ (٣).

قيل: قولكم: "إن قوله: ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ﴾ متأخر"؛ عنه جوابان:

أحدهما: أننا لا نسلم ذلك، وذلك أنه لا خلاف بين أهل العلم أن رسول الله بعث عتاب بن أسيد سنة ثمان للحج بالناس (٤)، وبعث أبا بكر سنة تسع ليحج بالناس، ثم أردفه بعلي ومعه سورة براءة ليقرأها على الناس في الموسم (٥)، ونحن نعلم لا محالة أن رسول الله كان


(١) سورة التوبة، الآية (٥).
(٢) ولم يختلف أهل التفسير ونقلة الآثار أن سورة براءة بعد سورة محمد ، فوجب أن يكون الحكم المذكور فيها ناسخًا للفداء المذكور في غيرها. أحكام القرآن للجصاص (٣/ ٥٢١).
(٣) أخرجه عبد الرزاق في المصنف (٥/ ٢١٠) وابن جرير في تفسيره (٩/ ٧٤٣٦) والقول بالنسخ رواه ابن جرير عن ابن جريج والسدي وقتادة والضحاك. ورواه عبد الرزاق في المصنف (٥/ ٢١١) عن مجاهد والضحاك والسدي.
(٤) انظر تفسير ابن كثير (٣/ ٣٥٧) وفتح الباري (١٠/ ٢٦٠).
(٥) أخرجه البخاري (٤٦٥٥) ومسلم (١٣٤٧/ ٤٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>