للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأما اختلاف اللفظين في قصة واحدة؛ فلا يسقط الحجاج به؛ لأنه يجوز أن يكون قال: " [قد] (١) ملكتك"، ثم كرر فقال: "زوجتك" بعد قوله: "ملكتك"، فيكون تقديره أنه لما قال له: "ملكتك بما معك من القرآن"؛ قال: الذي معي منه يسير وهو كيت وكيت، فقال : "قد زوجتك بما معك من هذا القدر"، وأعلمهم أن أحد اللفظين يقوم مقام الآخر (٢)، وإذا أمكن أن يحمل على هذا؛ استفدناه ولم يسقط الحجاج به.

فإن قيل: فإن قولك: "إن لفظ الهبة يقتضي التمليك مؤبدًا إذا أطلق فأشبه لفظ النكاح"؛ لا يصح؛ لأن "زوجتك" و"أنكحتك" لا ينقل الملك أصلًا، ألا ترى أنه لو قال: زوجتك أو أنكحتك هذا الثوب أو هذه الدابة؛ لم ينقل الملك، وإنما يستباح به منفعة البضع، ويستحق بالاستباحة المهر، فسلم ما قلته.

على أنه لو كان صحيحًا؛ لكان المعنى في قوله: "زوجتك وأنكحتك" أنه لفظ لا ينعقد به غير النكاح، فلهذا انعقد به النكاح، والهبة لفظ ينعقد به غير النكاح، فلم ينعقد به النكاح، كالإجارة والعارية.

قيل: إنا لم نقل إن لفظ الهبة ينقل ملك الرقبة، وإنما قلت: التمليك أعني تمليك المنافع، والنكاح يفيد ذلك، فلا فرق بين أن يقول: وهبت لك منافعها على صداق كيت وكيت، وبين أن يقول أنكحتكها على صداق كيت


(١) في الأصل: في.
(٢) وإلى هذا أيضًا يشير كلام ابن حزم في المحلى (٩/ ٤٧ - ٤٨) وانظر ما قدمته في بداية الفصل. وقال النووي: "ويحتمل صحة اللفظين، ويكون جرى لفظ التزويج أولا فملكها، ثم قال له: اذهب فقد ملكتها بالتزويج السابق". شرح مسلم (٩/ ١٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>