للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقولهم: "إنها لو لم تزن جاز العقد عليها، وماء الزاني كلا ماء"؛ فإننا نقول: إنها قد زنت وحملت، فهو بخلافها لو لم تزن، كما أن المطلقة الحامل لو لم تكن حاملًا؛ لكانت بخلافها إذا كانت حاملًا، ولو لم تتزوج وتوطأ وتحمل؛ لجاز أن تتزوج، فلا ينبغي أن يجعل ما قد وجد بمنزلة ما لم يوجد.

وقولهم: "ماء الزان كلا ماء"؛ فغلط؛ لأن الحمل منه لا يلحق بمن يتزوجها كما لا يلحق به حمل من هو لاحق بأبيه من تزويج صحيح، فقد استوى الحملان جميعًا في أنهما لا يلحقان بالزوج الثاني، فلا ينبغي أن يتزوجها ولا يطأها؛ لأن في بطنها حملًا ليس منه (١)، كالحامل من زوج يلحق به النسب.

فإن قيل: قول النبي : "لا توطأ حامل حتى تضع" (٢)؛ عنه جوابان:

أحدهما: أن هذا كلام في الوطء، وخلافنا في العقد.

والجواب الآخر: إن هذا ورد في المسبيات، وحمل المسبية يلحق بالواطئ إذا علمنا أنها جارية مشرك أو زوجته، ولهذا منع من وطئها، والحامل من زنا لا يلحق حملها بالزاني، فلم يمنع من وطئها.

قيل: قد يكون في المسبيات حامل من زنا، كما فيهن حمل من غير زنا، والنبي عم ولم يخص، فكما لم يلحق الحمل بهذا الواطئ وإن كان


(١) قال ابن عبد البر: "لا خلاف بين العلماء قديمًا وحديثًا أنه لا يجوز لأحد أن يطأ امرأة حاملًا من غيره بملك يمين، ولا نكاح، ولا غير حامل؛ حتى يعلم براءة رحمها من ماء غيره". الاستذكار (١٤/ ٢١٣).
(٢) تقدم تخريجه (٥/ ٥٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>