يأتي به شاهد الأصل؛ لم يجز العدول عن شهادة الأصل مع حضوره، لأن شاهد الفرع مخبر عنه وهو حاضر، فلا يقوم مقامه في لفظ الأداء.
والثالث: هو أن الشهادة تفتقر إلى اجتهاد الحاكم في عدالة الشهود، وإذا قدر على شهود الأصل؛ سمع منهم، واقتصر على معرفته بعدالتهم، لا حاجة به إلى استماع شهادة الفرع، وإذا سمعها؛ احتاج إلى معرفة عدالتهم، ومعرفة عدالة شهود الأصل أيضا إن لم يكن يعرفهم، وليس كذلك في الوكالة؛ لأنه لا يفتقر إلى معرفة عدالة الوكيل ولا الموكل، وإنما الغرض منه الدعوى والخصومة، فلا فرق بين أن يسمع ذلك من الوكيل وبين أن يسمعه من الموكل.
والجواب الرابع: هو أن الغائب والمريض إنما جاز لهما التوكيل للحاجة إلى ذلك، فقد تكون الحاجة موجودة بالحاضر الصحيح؛ لأنه لا يعرف موضع حجته، ولا وجه الخصومة، فجاز له التوكيل كما جاز للمريض والغائب، ويستووا في ذلك لتساويهم في الحاجة لذلك، وليس كذلك الشهادة؛ لأن شاهد الأصل إذا كان مريضا أو غائبا؛ فإن الحاجة تدعو إلى أن يقوم مقامه شاهد الفرع، ويسمع الشهادة، وليس كذلك إذا كان حاضرا؛ لأنه لا حاجة بنا إلى أن نقيم مقامه شاهد الفرع ونسمع الشهادة منه وشاهد الأصل قادر على أداء شهادته، فلما اختلف الحالان في الحاجة؛ اختلفا في الحكم.
فإن قيل: إن إقرار المدعى عليه قد تعلق به انقطاع الخصومة مثل الشهادة أو آكد، فإذا لم يجز للشاهد أن يقيم الغير مقامه إلا من عذر؛ فكذلك المدعى عليه، ولأن قول الموكل آكد؛ بدليل أن إقراره يجوِّز البراءة والاستيفاء، وقول الوكيل أنقص، ومتى تعلق عليه حكم في ذلك؛ لم يجز أن يقيم مقامه مَن