للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جميع الأحداث على صفة واحدة لا يختلف لم يحتج إلى نية، فشابه النجاسات، وليس التيمم كذلك؛ لأنه يقع عن حدث الجنابة تارة وله حكم، وعن الغائط وله حكم، وعن البول الذي له حكم آخر، فاحتيج إلى النية فيه.

وأيضًا فإن الماء طهور في نفسه، يقوي حكمه، فلم يحتج إلى النية، ولما كان التراب بدلًا عنه للضرورة، وليس بطهور في نفسه احتيج فيه إلى النية.

فجواب ذلك: أما قولهم: "إن الله - تعالى - فرق بين التيمم والغسل، فقال في التيمم: "اقصدوا" فنقول في هذا: إنا لو سلمنا لكم أن الله - تعالى - نص على النية في التيمم، وأمسك عنها في الوضوء لجاز لنا القياس، فنقيس المسكوت عنه على المنصوص عليه".

وأيضًا فإن الأمر بخلاف ما ظننتم، ليس في الآية أكثر من القصد في


= والسلوك، والثاني: ما يتكلم عنه الفقهاء من حيث تمييز الأعمال الشرعية عن العادية، وكذلك تمييز العبادات بعضها عن بعض، وهو المراد هنا. وانظر جامع العلوم والحكم (١٦ - ١٧) والنية وأثرها في الأحكام الشرعية (١/ ١٨٧ - ١٩٨).
قال ابن القيم: "وحرف المسألة أن أعمال الجوارح إنما تكون عبادة بالنية، والوضوء عبادة في نفسه، مقصود مرتب عليه الثواب، وعلى تركه العقاب، وكما يجب في العبادات إفراد المعبود تعالى عن غيره بالنية والقصد، فيكون وحده المقصود المراد، فكما أنه يجب في العبادات إفراد المعبود تعالى بها لا سواه؛ فكذلك يجب فيها تمييز العبادة عن العادة، ولا يقع التمييز بين النوعين مع اتحاد صورة العملين إلا بالنية، فعمل لا يصحبه إرادة المعبود غير مقبول، ولا يعتد به، وكذلك عمل لا تصحبه إرادة التعبد له والتقرب إليه غير مقبول ولا معتد به، بل نية التقرب والتعبد جزء من نية الإخلاص، ولا قوام لنية الإخلاص للمعبود إلا بنية التعبد، فإذا كانت نية الإخلاص شرطًا في صحة أداء كل العبادة؛ فاشتراط نية التعبد أولى وأحرى، ولا جواب عن هذا البتة إلا بإنكار أن يكون الوضوء عبادة". بدائع الفوائد (٣/ ٦٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>