للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والدليل لقولنا قوله تعالى: ﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ﴾ (١) إلى قوله: ﴿وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ﴾.

فألصق المسح بالرأس، فوجب استيفاء المسح فيه؛ لأنه ليس بعضه أولى بالمسح من بعض، وهذا كالعموم الذي ينبغي أن يستوفى عمومه إلا أن تقوم دلالة.

والدلالة على أنه يصلح للعموم حسن دخول الاستثناء فيه مع دخول الباء؛ لأنه لو قال تعالى: "وامسحوا برؤوسكم إلا موضع كذا منه فلا تمسحوه" لم يمتنع ذلك.

وهذا يسقط قول من يقول: إن دخول الباء ههنا للتبعيض (٢)؛ لأنها لو


= زائدة؛ أوجب مسح الرأس كله، ومعنى ههنا زائدة كونها مؤكدة، ومن رآها مبعضة؛ أوجب مسح بعضه. بداية المجتهد (١/ ٣٦٨ - ٣٦٩).
(١) سورة المائدة، الآية (٦).
(٢) دخول الباء للتبعيض اختلف فيه، والجمهور على أنها لا ترد لذلك، حتى قال ابن برهان فيما نقله عنه في المغني (١/ ١٥٦): "من زعم أن الباء تفيد التبعيض؛ فقد جاء أهل اللغة بما لا يعرفون"، وأنكر ذلك أيضًا ابن العربي إنكارًا شديدًا في أحكام القرآن (٢/ ٦٤) وأثبت ذلك الأصمعي والفارسي والقتبي وابن مالك والكوفيون كما قال ابن هشام في المغني (١/ ١٤٤)، وتقدم قول ابن رشد في البداية (١/ ٣٦٩): "ولا معنى لإنكار هذا في كلام العرب، أعني كون الباء مبعضة، وهو قول كوفيين من النحويين".
والذي يظهر - والله أعلم - أنها تأتي للتبعيض، وقد ذكر ابن هشام مجموعة من الشواهد الشعرية من كلام العرب على ذلك، وكذا الشاطبي في المقاصد الشافية (٣/ ٦٣٥ - ٦٣٦) وقال: "على أن قول من نفاها شهادة على النفي، وقول من أثبت التبعيض شهادة على الإثبات، وشهادة الإثبات مقدمة حسب ما تقرر في علمه".
وأجيب عن كلام الشاطبي "بأن الشهادة على النفي ثلاثة أقسام: معلومة نحو: إن العرب =

<<  <  ج: ص:  >  >>