للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ونحن نستعمل الجميع، فنحمل عموم الحظر على الصحاري، وعموم الإباحة على البنيان، والاستعمال أولى (١).

وقد روي أن ابن عمر أناخ راحلته، وجلس يبول إلى القبلة فقيل له: إن النبي نهى عن الاستقبال. فقال: "ذاك في الفضاء الذي ليس بينك وبينها حائل، فأما إذا كان يسترك عن القبلة حائل فلا بأس" (٢).

فإن قيل: فإنا نستعمل الأخبار كما استعملتم على الرواية التي رواها أبو يوسف عن أبي حنيفة، من جواز الاستدبار في الصحاري والبنيان، والمنع من الاستقبال في الصحاري والبنيان.

قيل: قد بينا (٧١) الفرق بين الصحاري والبنيان؛ لأن الصحاري لا تخلو من مصل، فلا ينبغي أن يرى فرج الإنسان ولا دبره (٣)، والبنيان ليس كذلك، واستعمال الجميع من الاستقبال والاستدبار يجوز في البنيان لما ذكرناه، ويمتنع في الصحاري بما ذكرناه.

واستعمالنا أولى من وجه آخر، وهو أنه يضيق على الناس في الأبنية أن تكون مراحيضهم غير مستقبلة القبلة، ويشق عليهم في الغالب أن يحرفوها فيها


(١) انظر التمهيد (٦/ ٤٩١) والأوسط (١/ ٤٤٤).
(٢) أخرجه أبو داود (١١) وابن عبد البر في التمهيد (٦/ ٤٩١) وغيرهما، وإسناده حسن.
(٣) لكن ما أورده من قصة ابن عمر مشكل على هذا؛ لأنه إنما كانت دابته في قبلته، والمصنف يعلل الحكم بأن الصحاري لا تخلو ممن يرى عورته في الغالب، ولا يخفى عليك أن كون الدابة في القبلة لا يمنع من أن يرى عورته أحد من خلفه أو من جانبيه، ولو أن المصنف علل النهي تعظيما لحرمة القبلة -كما فعل ابن العربي وغيره-؛ لكان أسلم له من مثل هذا الاعتراض. والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>