للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الفاسق، فلما لم يوجد في الفاسق معنى العدل لم يجز أن يقوم مقامه، وليس كذلك الأحجار؛ لأن المقصود منها قلع عين النجاسة، بدليل أن الثلاث لو لم تقلعها وجبت الزيادة عليها، والخزف والآجر وهذه الأشياء تعمل ما يعمل الحجر وأبلغ، فجاز أن تقوم مقامه لوجود معناها فيها.

وأما الجمار فعند داود أنه لو رماها بعصفورة ميتة جاز (١)، وعندنا هي عبادة لا يعقل معناها، والعبادة إذا لم يعقل معناها لم يجز القياس عليها (٢).

ثم ما قالوه ينتقض بالرجم في الجمار على أصلهم، وينتقض بالرجم في الزنا.

وأيضا فإن الغرض في الاستنجاء إزالة النجو؛ لأنَّه أقيم مقام الماء الذي يزيل النجاسات، فلما أقيم الحجر في الاستنجاء مقام الماء أقيم مقام الحجر غيره فيما يفعل فعله، وإنما خص النبي الحجر بالذكر لأنَّه أغلب الموجودات من الجمادات عند أهل الحجاز، لا أنه اختصه بالحكم، كما ذكر الله - تعالى - الرهن في السفر (٣)؛ لأن الأغلب فيه عدم الكاتب والبينة، والحضر بمنزلته؛ لأن الغرض منه التوثق، ولو منعنا الاستجمار في كل موضع إلا بحجر لشق، وتعذر على أكثر أهل البلاد؛ لأنَّه ليس كل البلاد تكون الأحجار فيها غالبا موجودة كوجود التراب وغيره.


(١) الذي ذكره النووي في المجموع عنهم أنه يجوز الرمي بكل ما يسمى حجرا، وهو المفهوم من كلام ابن حزم في المحلى (٥/ ١٩٩) وهو مذهب الجمهور، وخالف في ذلك أبو حنيفة فقال: يجوز بكل ما كان من جنس الأرض كالكحل والزرنيخ والمدر، ولا يجوز بما ليس من جنسها. انظر المجموع (٩/ ٢٠٧ - ٢٠٨) الشرح الكبير (٥/ ٤٩) التجريد (٤/ ١٩٢٤).
(٢) انظر المستصفى (٢/ ١٥٤ - ١٥٥).
(٣) يشير إلى قوله تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ﴾.

<<  <  ج: ص:  >  >>