وقد بين لنا كيف الطهارة من الكتاب وفعله، وهذا قد تطهر.
فإن قيل: فقد قال الله تعالى: ﴿أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ﴾، وقرئ: ﴿لمستم﴾، فجعل اللمس كالأحداث المقرونة معه، وأوجب الوضوء، ولم يفرق بين لامَس ولمس (١).
(١) قال شيخ الإسلام: "فأما تعليق النقض بمجرد اللمس؛ فهذا خلاف الأصول، وخلاف إجماع الصحابة، وخلاف الآثار، وليس مع قائله نص ولا قياس، فإن كان اللمس في قوله تعالى: ﴿أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ﴾ إذا أريد به اللمس باليد والقبلة ونحو ذلك - كما قاله ابن عمر وغيره -؛ فقد علم أنه حيث ذكر مثل ذلك في الكتاب والسنة؛ فإنما يراد به ما كان لشهوة، مثل قوله في آية الاعتكاف: ﴿وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾، ومباشرة المعتكف لغير شهوة؛ لا تحرم عليه بخلاف المباشرة لشهوة، وكذلك المحرم - الذي هو أشد - لو باشر المرأة لغير شهوة لم يحرم عليه، ولم يجب عليه به دم. وكذلك قوله: ﴿ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ﴾ وقوله: ﴿لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ﴾؛ فإنه لو مسها مسيسا خاليا من غير شهوة؛ لم يجب به عدة، ولا يستقر به مهر ولا تنتشر به حرمة المصاهرة باتفاق العلماء، بخلاف ما لو مس المرأة لشهوة ولم يخل بها ولم يطأها؛ ففي استقرار المهر بذلك نزاع معروف بين العلماء في مذهب أحمد وغيره. فمن زعم أن قوله: ﴿أو لمستم النساء﴾ يتناول اللمس، وإن لم يكن لشهوة؛ فقد خرج عن اللغة التي جاء بها القرآن، بل وعن لغة الناس في عرفهم، فإنه إذا ذكر المس الذي يقرن فيه بين الرجل والمرأة؛ علم أنه مس الشهوة، كما أنه إذا ذكر الوطء المقرون بين الرجل والمرأة؛ علم أنه الوطء بالفرج لا بالقدم. وأيضا فإنه - أي الشافعي - لا يقول: إن الحكم معلق بلمس النساء مطلقا، بل بصنف من النساء وهو ما كان مظنة الشهوة، فأما مس من لا يكون مظنة - كذوات المحارم والصغيرة - فلا ينقض بها، فقد ترك ما ادعاه من الظاهر، واشترط شرطا لا أصل له بنص ولا قياس، فإن الأصول المنصوصة تفرق بين اللمس لشهوة واللمس لغير شهوة، ولا تفرق بين أن يكون الملموس مظنة الشهوة أو لا يكون، وهذا هو المس المؤثر في العبادات كلها، كالإحرام والاعتكاف، والصيام، وغير ذلك، وإذا كان هذا القول لا يدل عليه ظاهر اللفظ ولا القياس؛ لم يكن له أصل في الشرع". مجموع الفتاوى (٢١/ ٢٣٣ - ٢٣٤).