ويبين ذلك أن حال الجنابة لم توجد هناك عين يحتاج إلى إزالتها، وإنما العبادة في إجراء الماء على الأعضاء، وقد جرى فعله، فاعتبار الدلك لا معني له، ألا ترى أنه ليس فى الأصول إمرار اليد على الأعضاء على وجه العبادة من غير معنى.
وأيضا فإن ذلك غسل واجب فأشبه إزالة الطيب من بدن المحرم، ولأن الدلك مبالغة في الغسل، وزيادة صفة فيه، فأشبهه تكرار الماء في العضو.
قيل: أما إذا تدلك فالمعنى فيه حصول اسم الاغتسال على حقيقته، وتحقيق وصول الماء إلى جميع بشرته الغامض منها والظاهر، ومماسته بيده.
وقولكم:"إنه لم توجد عين يحتاج إلى إزالتها، وإنما العبادة إجراء الماء على الأعضاء" فإننا نقول: لا يمتنع أن يكون العبادة في إجراء الماء على صفة إمرار اليد، ليتحقق وصول الماء؛ لأن في البدن مواضع ينبو الماء عنها.
وقولكم:"ليس في الأصول إجراء اليد على الأعضاء على وجه العبادة" غلط؛ لأنه في المسح في التيمم موجود (١)، والمعنى الذي فيه موجود في الغسل، وهو إجراء اليد على كل موضع وقعت العبادة بتطهيره، ليتحقق وصول الماء إليه، ويجوز أن تتعلق العبادة فيه أيضا بالتنظيف، كغسل الجمعة الذي قصد منه التنظف بزوال الروائح التي لا تزول إلا بإمرار اليد في الغالب.
وأما غسل طيب المحرم فالأنجاس أعظم منه، وليس إزالتها بفرض
(١) ممنوع، فإن المذهب الصحيح أن إمرار اليد لا يشترط في التيمم. المجموع (٣/ ١٧٢).