للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولنا أن نستدل بظواهر فنقول: إذا كان معه ماء البحر هل يستعمله أو يتيمم؟. قال الله تعالى: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا﴾، وهذا واجد لما يقع عليه اسم ماء.

وأيضا فإنه قال: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يتوضأ منه" (١).

فدليله أنه إذا لم يبل فيه جاز له أن يتوضأ منه، والبحر ماء دائم.

ولنا أيضا القياس على ماء البئر، بعلة أنه ماء اكتسب الملوحة من قراره.

وأيضا فإنهم لا يَخلُون في الامتناع منه إلا لأنه ماء بحر، أو لأنه ملح، أو لركوده، فيبطل ذلك لكونه بحرا؛ لأن ماء البحر العذب يجوز، ويبطل لكونه ملحا بماء الآبار المالحة، ويبطل لكونه راكدا بماء المصانع (٢) وغيرها، وقد قال تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ﴾ (٣)، قيل: إنه ماء البحار (٤).


(١) أخرجه الترمذي (٦٨) والنسائي (٥٧) وأحمد (٢/ ٢٥٩) وقال الترمذي: حسن صحيح.
تنبيه: قال النووي في المجموع (٢/ ٧٣) عقب ذكره لهذا الحديث: "حديث صحيح متفق على صحته، رواه البخاري ومسلم".
قلت: وهذا وهم، فإن الحديث عندهما بلفظ: "يغتسل فيه"، كما هي رواية البخاري (٢٣٩) وفي مسلم (٩٥/ ٢٨٢): "ثم يغتسل منه". وليس فيهما ذكر للوضوء، إلا أن يكون قصد صدر الحديث دون عجزه، وهو بعيد.
(٢) جمع مصنعة، وهي كالحوض يجمع فيها ماء المطر. القاموس (٣/ ٦٠).
(٣) سورة المؤمنون، الآية (١٨).
(٤) قال القرطبي: وقد قيل: إن قوله ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً﴾ إشارة إلى الماء العذب، وأن أصله من البحر، رفعه الله تعالى بلطفه وحسن تقديره من البحر إلى السماء، حتى طاب بذلك الرفع =

<<  <  ج: ص:  >  >>