للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

على أسهل موجود وأهونه بالعدول إلى أصعبها مأخذا، وأعزها مطلبا، ونحن نعلم أن النبيذ أشد تعذرا، وأعز من الماء، فوجب أن يكون العدول إلى الصعيد عند عدم الماء هو البدل عنه أسهل وأهون وجودا.

وأيضا فإنه لا تعدو حال النبيذ في جواز التوضؤ به أحد أمرين: إما أن يكون أصلا، أو بدلا، فإن كان أصلا فيجب أن يترتب على العدم كالماء، أو يكون بدلا، فيجب أن يكون أعم وجودا من الأصل، وأن يستوي فيه حكم الحدثين الأعلى والأدنى، وأن يختص بالاسم كالتيمم، فلما لم يوافق الأصل والبدل بطل أن يكون له مدخل في التطهير.

ألا ترى أن الصعيد لما كان بدلا عن الماء استوى حكمه في الطهارتين جميعا، الأعلى والأدنى، وهو الاقتصار على العضوين المخصوصين، وهم قالوا: يتوضأ بالنبيذ إن كان محدثا، ويغتسل به إن كان جنبا (١)، فعلم بهذا أنه ليس ببدل عن الماء.

فإن قيل: جميع الظواهر والاستدلالات والقياسات على ما قلتم، وإنما عدلنا إلى الخبر الصحيح المشهور الذي يترك بمثله قياس الأصول، وهو ما رواه أبو فزارة العبسي، عن أبي زيد مولى عمرو بن حريث، عن ابن مسعود أنه قال: "كنت مع النبي ليلة الجن فقال: يا عبد الله! أمعك ماء؟. فقلت: لا، معي نبيذ، فأخذه وقال: "تمرة طيبة وماء طهور"، فتوضأ به (٢).


(١) اختلف المشايخ في جواز الاغتسال بنبيذ التمر على أصل أبي حنيفة، فقال بعضهم: لا يجوز لأن الجواز عرف بالنص، وأنه ورد في الوضوء دون الاغتسال، فيقتصر على مورد النص.
وقال بعضهم: يجوز لاستوائهما في المعنى. بدائع الصنائع (١/ ١٧٣).
(٢) تقدم تخريجه (٣/ ٧). وقد استوعب البيهقي الكلام على هذا الحديث، ونقل رواياته، وأقوال أئمة هذا الشأن فيه في كتابه الخلافيات (١/ ١٥٧ - ١٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>