للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الذي كان معه للشرب؛ لأن مياههم كان فيها ملوحة، فكانوا يستعذبونها بالتمر للشرب، ويتوضؤون بها غير مستعذبة (١)، فلهذا قال: ليس معي ماء لم ينبذ فيه تمر.

والثاني: أن الخبر منسوخ؛ لأن ليلة الجن كانت بمكة في صدر الإسلام، وقوله ﷿: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً﴾ متأخر لأنها نزلت في غزوة المريسيع حيث فقدت عائشة عقدها، فاشتغلوا به حتى فاتتهم الصلاة، فأنزل الله تعالى: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا﴾ (٢)، والمتأخر - عند أبي حنيفة ينسخ المتقدم، سواء كان المتأخر عاما أو خاصا (٣).

على أننا نقول: لو لم يكن منسوخا لم يسع الحجاج به؛ لأن النبي توضأ بنبيذ التمر النيء منه لا المطبوخ؛ لأن العرب لم تكن تطبخ الأنبذة، وعند أبي حنيفة لا يجوز التوضؤ بالنيء (٤)، وإنما يجوز بالمطبوخ المسكر.


(١) انظر الفتح (١/ ٦٤٢).
(٢) ومال إلى هذا أبو عبيد في الطهور ص (٣١٧ - ٣١٨) قال: لأن ليلة الجن كانت بمكة في صدر الإسلام قبل الهجرة، بدهر، وقد كانت رخصة السكر وهو من التمر، فنزلت في سورة النحل، والنحل مكية، فلعل الوضوء كان يومئذ ثم أنزل الله تحريم الخمر في المائدة، وهي مدنية، فكان تحريمها في قول العلماء ناسخا للسكر وهو من التمر، فيكف يتوضأ بشيء قد نسخ شربه بالتحريم".
وقال ابن حزم: "ثم لو صح بنقل التواتر لم يكن لهم فيه حجة لأن ليلة الجن كانت بمكة قبل الهجرة، ولم تنزل آية الوضوء إلا بالمدينة في سورة النساء وفي سورة المائدة، ولم يأت قط أثر بأن الوضوء كان فرضا بمكة، فإذ ذلك كذلك فالوضوء بالنبيذ كلا وضوء، فسقط التعلق به لو صح". المحلى (١/ ١٩٨) وانظر أيضا الفتح (١/ ٦٤٢).
(٣) انظر الكافي شرح البزدوي (٣/ ١٣٦٩ - ١٣٧٠) شرح التنقيح (٤٠٦ - ٤٠٧).
(٤) انظر ما تقدم في صدر المسألة.

<<  <  ج: ص:  >  >>