للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انتهجوا فيها نهج التأصيل والرجوع مباشرة إلى المنابع الأولى: القرآن والحديث في إطار المذهب وفروعه، غير متخلين عن اجتهاداتهم الخاصة. ومن أبرزهم ابن يونس واللخمي والمازري (١).

يقول الفاضل بن عاشور في نفس الصدد: "وتكون بالإمام اللخمي الإمام أبو عبد الله المازري، فكان مع الحلبة التي عاصرته من الفقهاء الذين نستطيع أن نذكر منهم على سبيل المثال الواضح أربعة: وهم المازري وابن بشير وابن رشد الكبير والقاضي عياض. فهؤلاء هم الذين سلكوا طريقة جديدة في خدمة الحكم؛ هي الطريقة النقدية التي أسس منهجها أبو الحسن اللخمي. فصاروا في الفقه يتصرفون فيه تصرف تنقيح، وينتصبون في مختلف الأقوال انتصاب الحكم الذي يقضي بأن هذا مقبول، وهذا ضعيف، وهذا غير مقبول، وهذا ضعيف السند في النقل، وهذا ضعيف النظر في الأصول، وهذا مغرق في النظر في الأصول، وهذا محرج للناس، أو مشدد على الناس، إلى غير ذلك. وهي الطريقة التي درج عليها الإمام المازري في شرحه على التلقين للقاضي عبد الوهاب، ودرج عليها ابن بشير في شرحه عل المدونة الذي سماه التنبيه على مسائل التوجيه" (٢).

بعد هذا قد يقول قائل: إن ما قررته يتعارض تمامًا مع ما قاله المازري عندما تحدث عن اشتراط الاجتهاد في القاضي فقال: "وهذه المسائل تكلم عليها العلماء الماضون لما كان العلم في أعصارهم كثيرًا منتشرًا وشغل أكثر أهله بالاستنباط والمناظرة على المذاهب، وأما عصرنا هذا فإنه لا يوجد في الإقليم الواسع العظيم مفت نظار، قد حصل آلة الإجتهاد واستبحر في أصول الفقه ومعرفة اللسان والسنن والاطلاع على ما في القرآن من الأحكام، والاقتدار على تأويل ما يجب تأويله، وبناء ما تعارض بعضه على بعض، وترجيح ظاهر على ظاهر، ومعرفة الأقيسة وحدودها وأنواعها وطرق استخراجها، وترجيح العلل والأقيسة بعضها على


(١) تطور المذهب المالكي في الغرب الإسلامي لمحمد شرحبيلي ص: ٤٣٥.
(٢) المحاضرات المغربيات للفاضل ابن عاشور ص: ٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>