للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعض. هذا الأمر زماننا عار منه في إقليم المغرب كله فضلًا عمن يكون قاضيًا على هذه الصفة" (١).

فالنص صريح الدلالة على خلو إقليم المغرب كله ممن حصَّل آلة الاجتهاد زمن المازري المعاصر لابن بشير، فكيف إذا تصف هذا العصر بأنه عصر اجتهاد وتحرر؟ (٢).

ويمكنني أن أجيب عن هذا بما يلي:

أولًا: كلام المازري جاء في سياق الرد على من يشترط الاجتهاد في القاضي، ولم يأت في إطار الحديث عن وجود المجتهدين أو عدم وجودهم. ومعلوم أن السياق قيد، فجاءت العبارات عرضية. وغير خاف أن الكلام الذي يأتي عرضيًا لا يكون دقيقًا في بعض الأحيان, لأنه يؤتى به ليخدم فكرة أخرى.

ثانيًا: إذا كان المازري لم ينسب الاجتهاد لنفسه، ولم يدَّعِه -وهو إمام عصره بدون منازع، اتفق الفقهاء على أنه بلغ رتبة الاجتهاد (٣). ولم يخالف في ذلك أحد، إلا ما روي من تحفظ ابن عرفة. وأنكر عليه العلماء تحفظه هذا أشد الإنكار؛ لأنه أثبت الاجتهاد لابن دقيق العيد وابن عبد السلام الهواري، وهما دون مرتبة المازري (٤). بل إن ابن دقيق العيد استغرب من عدم ادعاء المازري للاجتهاد فقال: "ما رأيت أعجب من هذا- يعني المازري- لأي شيء ما ادعى الاجتهاد" (٥). وأكثر من هذا كون المازري لم يكن يتجرأ على الخروج حتى على المشهور. ولذلك تفسيرات وتأويلات ليس هذا محلها.


(١) تبصرة الحكام ١/ ١٨.
(٢) نفس الرأي تبناه محمد بن الحسن الحجوي عندما اعتبر القرن الخاص بداية ظهور الشيخوخة والهرم المقرب من العدم. الفكر السامي ٣/ ١٦٣.
(٣) الغنية ص ١٢٣ والدبباج ٢/ ٢٥١.
(٤) المازري الفقيه والمتكلم ص ٣١.
(٥) الوافي بالوفيات ٤/ ١٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>