للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بقيت نقطة أخرى أشار إليها الشاطبي، وهي أن هؤلاء المتأخرين

مجهولون لديه. وشأنه ألا يعتمد إلا على كتب المتقدمين المشاهير.

وأقول إن ابن بشير وأمثاله ليسوا مجهولين فهم أعلام على رؤوسهم

نار كما يقال. وحتى لو فرضنا أنهم مجهولون فإن الحق يعرف بنفسه وليس بصاحبه وشهرته.

هذه هي حيثيات الحكم التي بني عليها الشاطبي رأيه، وهي كما نلاحظ حجج داحضة (١).

وكأني بالشيخ أحمد بابا التنبكتي لم يقتنع بهذه الأسباب وراح يلتمس أسبابًا أخرى فقال في ترجمة القباب: "وذكر عنه أبو إسحاق الشاطبي أنه كان يقول إن ابن بشير وابن شاس وابن الحاجب أفسدوا الفقه، ويأمر أصحابه بتركهم. قلت: وكأنه يعني بذلك أن الأخيرين أدخلا جملة من مسائل وجيز الغزالي في المذهب مع مخالفتها له، كما نبه عليه الناس. والأول بني فروعًا فقهية على قواعد أصولية وأدخلها في المذهب كذلك. ومسائل المذهب لا تجري جميعها على قواعد الأصول، والله أعلم" (٢).

وقد نقل ابن فرحون عن ابن دقيق العيد كلامًا قريبًا من هذا فقال:

"وكان رحمه الله يستنبط أحكام الفروع من قواعد أصول الفقه وعلى هذا مشى في التنبيه وهي طريقة نبه ابن دقيق العيد على أنها غير مخلصة إذ الفروع لا يطرد تخريجها على القواعد الأصولية" (٣).

وحتى ما علل به التنبكتي وابن دقيق العيد فإنه لا ينهض حجة لإدانة


(١) لقد أكد الشاطبي كلامه هذا في الموافقات في المقدمة الثانية عشرة ١/ ٦١ وأتى بنفس الكلام وأضاف أحاديث من قبيل قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "خير القرون قرني ثم الذين يلونهم". وما شابه هذا الكلام.
(٢) كفاية المحتاج: ١/ ٩٩.
(٣) الديباج: ١/ ٢٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>