للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإن سلموا أن النجاسة لا تزال بالدموع والعرق قسنا عليه المائعات كلها بعلة أنه ليس بماء مطلق، أو بعلة أنها لا ترفع الحدث.

ومن طريق الاستدلال نقول: رأينا جنس الماء إذا كان كثيرا يدفع الأنجاس عن نفسه إذا لم يتغير (١)، وليس كذلك جنس المائع، فإذا لم يدفع النجس عن نفسه فبأن لا يدفعه عن غيره أولى.

هذا قد ذكره أصحابنا والناس، ولكنهم لا يسلمونه، ويقولون: المائع الكثير لا يقبل النجاسة إذا لم تغيره فيدفعها عن نفسه كالماء، ولكننا إذا اعتبرنا أصولهم كان ما قلناه صحيحا، وذلك أن النجاسة أغلظ حكما وأقوى من الحدث أو مثله (٢)؛ لأن الماء المزال به النجاسة مسلوب الصفتين - عندهم - من الطهارة والتطهير (٣)، [والماء الذي يدفع الحدث إما أن يسلب الصفتين جميعا من الطهارة والتطهير] (٤) فيكون نجسا، أو يسلب التطهير


(١) وإذا بلغ القلتين على مذهب الشافعية والصحيح عند الحنابلة كما سيأتي في المسألة بعد هذه. وهذا مبني على أن المائعات لا تدفع النجاسات عن نفسها، وفيه خلاف أيضا، وقد قدمت بيان أن الحنفية يقولون هي كالماء، وانتصر شيخ الإسلام ابن تيمية لهذا في مجموع الفتاوى (٢١/ ٤٨٨ - ٤٨٩) وقال (٢١/ ٥٠٨ - ٥٠٩): "ومن تدبر الأصول المنصوصة المجمع عليها، والمعاني الشرعية المعتبرة في الأحكام الشرعية تبين له أن هذا هو أصوب الأقوال، فإن نجاسة الماء والمائعات بدون التغير بعيد عن ظاهر النصوص والأقيسة، وكون حكم النجاسة يبقى في مواردها بعد إزالة النجاسة بمائع أو غير مائع بعيد عن الأصول، وموجب القياس. ومن كان فقيها خبيرا بمآخذ الأحكام الشرعية وأزال عنه الهوى تبين ذلك، ولكن إذا كان في استعمالها فساد فإنه ينهى عن ذلك .. ".
(٢) بل طهارة الحدث آكد، لأنه منصوص عليه نصا غير محتمل، مجمع على حكمه، ويعتبر فيه النية عندهم، ويتعدى إلى غيرها وغير محلها، ويستوي قليله وكثيره. التجريد (١/ ٦٣).
(٣) انظر التجويد (١/ ٦٣ - ٦٤).
(٤) ما بين المعقوفتين ساقط من المطبوع.

<<  <  ج: ص:  >  >>