للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأيضا فإن القدر الذي حصلت فيه النجاسة قد اجتمع فيه حرام ومباح، وقد أجمعنا على أن اجتناب الحرام، واجب والإقدام على المباح ليس بواجب، فوجب الامتناع من استعمال هذا الماء إلا أن يقوم دليل.

ومنزلة هذا منزلة شاة مذبوحة اختلطت بشاة ميتة، فاشتبهتا عليه، فإنه يحرم تناولهما، وكالمرأتين إحداهما أجنبية والأخرى أخته من الرضاعة اشتبهتا عليه، فإنه لا يجوز أن يتزوج واحدة منهما، وكالقليل من النجاسة إذا حل في كثير من المائع غير الماء فإنه يجتنب كله، فكذلك القليل من الماء إذا حلت فيه النجاسة وجب أن يغلب التحريم (١).

قيل: أما قول النبي : "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم" (٢) فهذا "لا


= وقال أبو عبيد: فأما حديث ابن عباس في زمزم فإنه ينكر من وجوه منها: أنه إنما يحدثه عنه قتادة مرسلا، وأدنى ما بينه وبين ابن عباس واحد.
ومنها: أن عطاء كان يخبر بتلك الفتيا عن ابن الزبير، وهو أعلم بأمر مكة وما فيها من قتادة. وأكبر من هذه الحجة أن المشهور من رأي ابن عباس التوسع في الماء، ألست ترى أنه يحدث عن النبي : "أن الماء لا ينجسه شيء"، ثم كذلك كانت فتياه، وقد روى عنه الشعبي أنه قال: لا يخبث الماء. وروى عنه أبو عمر البهراني في الحمام يدخله الأجناب أن ذلك لا ينجسه.
ثم مع هذا كله فإن أهل مكة ينكرون نزح زمزم ولا يعرفونه.
قال: وكذلك ينبغي أن يكون الأمر على ما قالوا للآثار التي جاءت في نعتها، أنها لا تُنزح ولا تذمّ، لسقي الحجيج الأعظم، فكيف تنزح وهذه حالها؟ وقد كان بعض أهل الأثر يقولون: إن كان لنزحها أصل فإنما معناه: أن الماء قد كان تغير طعمه وريحه في موت الذي مات فيه". الطهور (٢٤٧ - ٢٤٨) وصحح ابن التركماني الرواية في ذلك عن ابن الزبير (١/ ٤٠٢).
(١) انظر أحكام القرآن للجصاص (٣/ ٤٤١).
(٢) تقدم تخريجه (٢/ ٥١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>