للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أن الشعر ميتة، ألا تراه تعالى استثنى في الميتة فقال: ﴿إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ﴾ (١)، والضرورة تدعو إلى أكل الميتة، والشعر لا يؤكل، فثبت أن الميتة اسم لما عدا الصوف والشعر، وحصل النص في الامتنان بالصوف والشعر عاما، فلا يقضي عليه، فلا يخصه ذكر الميتة.

والجواب الآخر: هو أن الامتنان أيضا يقع بالانتفاع بالأعيان كما يقع تحريمها، فما أمكننا أن نحرس موضع النعمة والمنة فهو أولى، وقد بينا أن المنة في سعة استعماله أولى، يشهد لما قلناه: التفرقة بينه وبين الميتة في حال حياة الحيوان فإن الشعر ينتفع به، وجلد الحية لا ينتفع به، وهو ميتة، والمنة في الشعر قد أباحته بخلاف الجلد، ولم يقضوا بتحريم الجلد الذي هو ميتة في حياة الحيوان على الشعر الذي حصل به الامتنان، فكذلك لا يقضي بتحريم الميتة في حال الموت على الشعر الذي وقع الامتنان به.

ويدل على صحة قولنا أيضا: ما روي عن أبي سلمة عن أم سلمة قالت: سمعت رسول الله يقول: "لا بأس بمسك (٢) الميتة إذا دبغ، ولا بأس بصوفها ووبرها وشعرها إذا غسل بالماء" (٣).

وهذا نص، فسقط معه كل ظاهر وقياس، وقوله : "لا بأس" أي لا ضيق ولا حرج.

فإن قيل: هذا الحديث لا يصح، ولو صح لكان السؤال عليه من وجهين:


(١) سورة الأنعام، الآية (١١٩).
(٢) بفتح الميم: الجلد. القاموس (٣/ ٣٦٠).
(٣) أخرجه الدارقطني (١/ ٤٧) والبيهقي (١/ ٣٧) وفيه يوسف بن السفر، قال الدارقطني: متروك، ولم يأت به غيره. وقال النووي: "ضعيف باتفاق الحفاظ". المجموع (٢/ ٢٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>