والجواب الآخر: أننا لا نقبل قول الراوي في التخصيص والنسخ، كقول ابن عباس:"إن بيع الأمة طلاقها"(١)، وإنما يقبل قولهم في لفظ محتمل يجوز أن يكون المراد به شيئا، ويجوز غيره.
فإذا فسر الراوي أن المراد به أحدهما رجحنا قوله، وفي هذا الموضع قول أبي هريرة أفتى رجلا بعينه، فيحتاج أن يعرف خبر ذلك الرجل، وكيف كانت حاله، فلعله كان مضطرا إلى استعمال ذلك الإناء لشيء لابد له منه، ولم يقدر من الماء إلا على ما يكفيه ثلاث مرات، أو غير ذلك مما تدعو إليه الضرورة، أو لعله أراد أن يعلمه أن غسله ليس بفرض على ما نقوله في طهارة الكلب، وأن الإناء طاهر، وأنه مسنون غسله، ونحن نقول: المسنون غسله بالعدد الذي هو سبع مرات، فيصير الكلام معتلا في هذا الأصل، فلا ينبغي أن يترك ما نص عليه من العدد بمثل هذا المحتمل.
ونقول أيضا: هو عدد شرط في موضع تطهير، لم يبين لنا الشرع فضل بعضه على بعض، فوجب أن يستوفى العدد فيما ورد، أصله غسله الأربعة أعضاء في الوضوء.
أو نقول: هو عدد قد تعبدنا به ورد الأمر به، لم يبين لنا فضل بعضه على بعض، فوجب أن يستوفي العدد الذي ورد فيه، أصله عدد رمي الجمرة.
ولا يلزم على هذا تكرير الغسل في الوضوء؛ لأن النبي ﵇ بين فضل المرة الثانية، وأن الأولى هي الفرض.
(١) أخرجه ابن أبي شيبة (٦/ ٤٥٤) بإسناد منقطع كما قال الحافظ الفتح (١٢/ ٩١) وقال: "وأخرجه سعيد بن منصور عن ابن عباس بسند صحيح".