للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لشيء، ففيه إضاعة المال، وقد نهينا عنه (١)، وإنما أعلمنا النبي أن أكل ذلك الشيء لا يضرنا ولا شربه؛ لأن الداء الذي في أحد جناحيه قد أزاله الذي في الجناح الآخر، فلا يفسد علينا شيء مما وقع فيه.

وأما كي الحيوان فلنا غرض صحيح لا يفسد علينا به شيء، فنظيره أن لا ينجس الماء، ولا يفسد علينا ما وقع فيه الذباب.

ويؤيد ما قلناه ما عليه المسلمون خلفهم عن سلفهم من لدن رسول الله إلى وقتنا هذا، فإنهم يستعملون ما وقع فيه البق والذباب والزنبور، ولا يجتنبونه ولا يكرهونه، ولا ينكر بعضهم على بعض ذلك، ولم ينقل عن أحد منهم فيه خلاف، وهذا يدل على أنه موضع إجماع (٢)، ولو وقع بينهم فيه خلاف أو حكي عن واحد منهم أنه حرمه أو أنكره لم يخل ممن ينقله، ومن المحال أن يتنجس شيء من ذلك فلا يذكر حكمه عن أحد منهم مع عموم البلوى به.

ثم من المحال أن يموت دود الخل فيه فلا يتنجس، فيؤخذ ذلك الدود فيجعل في خل مثله أو غير الخل فيتنجس؛ لأنه لو تنجس ما ينقل إليه لكان ما هو فيه أولى أن يتنجس لطول مكثه فيه، ونحن نعلم أن الباقلاء المطبوخ بالماء يكون في الباقلاء الدود والذباب الميت، فيتهوى في ماء الباقلاء بالطبخ، ولم يقل أحد من المسلمين: إن ماء الباقلاء نجس، وربما أكل الدود والذباب


(١) كما في حديث المغيرة بن شعبة المتقدم تخريجه.
(٢) سبق ما نقلته عن ابن المنذر في هذا، وأنه لم يخالف فيه إلا الشافعي، وأن النووي ذكر أيضا ابن المنكدر ويحيى بن أبي كثير مع الشافعي، فلم يثبت الإجماع.

<<  <  ج: ص:  >  >>