على الحمل لغذاء الولد، فإذا سقط الولد أبيض الدم فصار لبنا حتى لا تعافه النفس، وهذا قد ذكره أهل الصناعة والمعرفة بالفلسفة.
وقد يكون أيضا الشيء في نفسه طاهرا ويستحيل إلى النجس، كالغذاء والماء في جوف ابن آدم وقد قيل: إن العلقة المتولدة عن المني من دم نجس، وهذا يسقط ما اعتبروه.
فإن قيس على اللبن بعلة أنه مائع تثبت به الحرمة بين المرضع وبين من ارتضع منها، وانتشاره إلى غيرهما، فكذلك المني.
قيل: الذي ينشر الحرمة هو الوطء، سواء كان معه مني أو لا، وقد تنشر الحرمة القبلة والجسة للذة.
وإن أرادوا أن المني يثبت الحرمة فإنه يخلق منه الولد، ويحرم على من أنزل المني، وينتشر إلى غيره، فهذا هو معنى ما ذكروه من أنه يخلق منه حيوان طاهر، وقد تكلمنا عليه وقلنا إن المني المنفصل الذي نتنازعه لا يكون منه ولد، فسقط ذلك.
على أنه لو صح لهم القياس لكان رد المني إلى المذي أولى لاتفاقهما في المخرج، وأن الشهوة تولدهما، وأنهما ينقضان الطهر ويوجبانه على وجه مخصوص، وأنهما لا يكادان يفترقان في غالب الحال؛ لأن المذي يسبق المني، ويختلط به بعضه (١)، ولأنه يمنع الصلاة، ويمنع حمل المصحف.
(١) بل هو مخالف له في الاسم والخلقة وكيفية الخروج لأن النفس والذكر يفتران بخروج المني، وأما المذي فعكسه، ولهذا من به سلس المذي لا يخرج معه شيء من المني. المجموع (٢/ ٥٨٥).