والحدث الواحد لا يوجب الطهارة العليا والطهارة الأدنى جميعا، فلما اتفقنا أن المتيمم الجنب إذا وجد الماء اغتسل لجنابته، والمتيمم المحدث إذا وجد الماء غسل أربعة أعضائه دون سائر بدنه علمنا أن رؤية الماء ليس بحدث في نفسه.
وعلى أن رؤية الماء في الصلاة لو كانت حدثا لوجب إذا رأى الماء وهو محتاج إليه لعطشه أن ينتقض تيممه؛ لأنه لا لأنه لا فرق بين الأحداث إذا وجدت مع الضرورة، أو غير الضرورة، فإنها تنقض الطهارة، فلما اتفقنا على أنه يصلي بتيممه إذا وجد الماء وهو محتاج إليه للعطش سقط أن يكون في نفسه حدثا، وهو خلاف الإجماع.
ولنا أن نقول: إن الصلاة هي المقصود بالتيمم، والتيمم لا يراد لنفسه، فحصول المقصود والشروع فيه بالبدل يمنع من إيجاب العود إلى المبدل، دليله: إذا شرع في صوم التمتع، فإنه يمنع من العود إلى المبدل الذي هو الهدي إذا وجده (١).
وأيضا فإننا لو أوجبنا عليه الخروج من الصلاة واستعمال الماء لجاز أن يفوته وقت الصلاة المضيق، ومراعاة الوقت بطهارة غير كاملة أولى من أدائها في غير الوقت بطهارة كاملة، الدليل على ذلك: عادم الماء، والمريض الذي لا يقدر على استعماله، ومن معه ماء يخاف العطش على نفسه، فإنهم يتيممون لمراعاة الوقت، ولا ينتظرون خروج الوقت حتى يقدروا على استعمال الماء،
(١) وهذا يخالف ما قرره في كتاب الحج من استحباب رجوعه إلى الهدي، حيث قال هناك: "وإذا دخل في الصوم عند عدم الهدي، ثم وجد الهدي بعد دخوله في الصوم استحببنا له الرجوع إلى الهدي، من غير أن يلزمه ذلك. وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة: يبطل صوم الثلاثة الأيام، ويجب الرجوع إلى الهدي". عيون المجالس (٢/ ٧٨٢ - ٧٨٣).