للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فلم تجدوا ماء يكفيكم فتيمموا، وهذا غير واجد لماء يكفيه، فوجب أن يتيمم، ويترك الماء الذي لا يكفيه؛ لأنه إن استعمله وتيمم ترك حكم الآية.

فإن قيل: فإن الله تعالى قال: ﴿فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ﴾ (١)، فمن قدر على غسل وجهه توجه الخطاب إليه بالأمر، فينبغي أن يستعمل القدر الذي يتهيأ له من الماء في غسل وجهه، فقوله: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا﴾ (٢) أباح التيمم بشرط العدم، والوجود يمنع منه (٣).

قيل: إن الله تعالى لم يقتصر على غسل الوجه دون باقي الأعضاء، ألا ترى أنه لم يذكر الماء حتى ذكر غسل الأعضاء كلها، وفرغ من ذكر حكم طهارة الجنابة، ثم قال: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً﴾ (٤)، فثبت أنه أراد ماء للحكم الذي تقدم ذكره، فلا فرق بين ذكر الوجه وبين غيره من المذكورين؛ لأن حكم الجميع حكم واحد في أن الطهارة لا تتم إلا بجميعه، فهي في حكم العضو الواحد، فعلمنا أنه أباح التيمم عند عدم الماء الذي تعلق الحكم به في الطهارتين جميعًا.

وقولكم: "إن الوجود يمنع العدم" فإننا نقول: إنما الوجود لماء يكفي الطهارة كلها يمنع التيمم، وليس هاهنا ماء هذه صفته، وقد كان أيضًا ينبغي على ما تقولون أن لا يجوز التيمم أصلا؛ لأن الوجود الحاصل ينفيه، فلما أوجبتم التيمم سقط حكم الماء الموجود.


(١) سورة المائدة، الآية (٦).
(٢) سورة المائدة، الآية (٦).
(٣) انظر المحلى (١/ ٣٦٢).
(٤) سورة المائدة، الآية (٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>