على أن هذه الأشياء إذا نسيها فإنه لم يأت بها ولا ببدلها، والذي نسي الماء قد أتى بالبدل الذي هو التيمم، ولا يلزم على هذا من نسي الطهارة بالماء والتيمم جميعًا؛ لأنه لم يأت ببدل، وكذلك من نسي القيام والركوع والسجود وغير ذلك، فلم يلزم ما ذكرتموه.
فإن قيل: قولكم: "إن الاعتبار في جواز التيمم بعدم القدرة على استعمال الماء لا بعدمه في الملك" إلى آخر الفصل فإننا نقول: إنما يعتبر جواز التيمم بعدم القدرة على الماء إذا لم يُنسب هو في ترك تلك القدرة إلى التفريط، فأما إذا نسب في ترك تلك القدرة إلى التفريط فلا يكون كعدم القدرة، بل يكون كوجود القدرة عليه، والإنسان إذا كان في ملكه ماء في بلد آخر، ولا ماء معه في موضعه فإنه يتيمم؛ لأنه غير منسوب إلى التفريط في ترك هذه القدرة.
فأما من نسي الماء في رحله فهو مفرط في ترك هذه القدرة وإن كان لا يقدر على استعماله، فلم يكن كعدم القدرة عليه.
وأما ما ذكرتموه من البئر يظهر عليها بعد تيممه وصلاته فإننا نقول: لا فرق بين البئر وبين ناسي الماء في رحله وذلك متى كان مفرطا فيه لزمته الإعادة، ومثل أن يكون قد عرف تلك البئر أصلا، فإننا ننظر فيه، فإن كان مفرطا في طلبها، مثل أن يكون لها أعلام لا تخفى، وعليها أمثال وآثار مثلها تعلم، ففرط في طلب ذلك فإن عليه الإعادة، وإن كانت البئر في موضع خفي مغطى بشيء حيث لا يعثر عليه فلا إعادة عليه، واعتبار طلب الماء في الرحل على هذه الصفة متى كان مفرطا في طلبه فعليه الإعادة، وإن لم يكن مفرطا فلا إعادة عليه، فإذا كان ذلك سقط ما ذكرتموه ولم يلزمنا.