والجواب الآخر هو أن الجنابة أغلظ من الوضوء، حتى إنه يسقط مسح الرأس بالماء ويصير، غسلا ويجب غسل جميع البدن الذي كان يسقط في الوضوء، فلم يجز المسح فيه على الخفين، وكيف يجوز أن يغتسل ويغسل ساقيه إلى حد الكعبين وهو لابس للخف؟ فبان بهذا مخالفة أمر الجنابة للوضوء المبني على التخفيف، وسقط فيه غسل أكثر البدن، وجوز فيه مسح الرأس دون غسله فلم يشتبها.
وأما القياس على مسح العمامة فهو أيضا فاسد؛ لأن فيه إسقاط جواز المسح الثابت بالسنة.
على أننا نفرق بينهما فنقول: لما كانت الرجلان يقع السعي عليهما وظهورهما أكثر من ظهور الرأس واليدين في غالب الحال، والوجه أكثر صبرا على البرد والحر منهما، لكثرة مباشرة ذلك بالوجه، وجري العادة به، فجازت الرخصة في الرجلين للمشقة التي تلحق في نزع الخفين عند كل طهارة، والحاجة إليه أكثر؛ لأن نزعه يؤدي إلى التخلف عن رفقته، والانقطاع عن العجلة في السفر الذي قال النبي ﷺ فيه:"إنه قطعة من العذاب، فإذا قضى أحدكم نهمته فليعجل الأوبة إلى أهله"(١)، والعمامة لا تلحق المشقة في أن يدخل يده تحتها فيمسح رأسه، فكان الفرض فيه مسح الرأس دون العمامة.
فإن استدلوا باستصحاب الحال وأن الصلاة في ذمته فمن زعم أنها تسقط بطهارة فيها المسح على الخفين فعليه الدليل.
وبما روي رسول الله ﷺ توضأ وغسل رجليه، وقال: "هذا وضوء