للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأجمع عليه أهل المدينة والحجاز، ولو جرى خلاف؛ لنقل واستفاض.

فإن قيل: فليس في هذا دلالة؛ لأن النبي كرر ذلك عليه لأنه كان يعلمه، فهو بمنزلة المعلم يكرر على الصبي آية حتى يتعلم، فلا يدل ذلك على أنها في القرآن مكررة.

وأيضًا فإن التكرير بالشهادتين كان لعلة هو أنه كان بقرب المشركين، وكان أبو محذورة هذا يكره ذلك، فكرره عليه ليألفه ويغيظ به المشركين.

قالوا: وعلى أنه قد كان خفَض صوته فأمره أن يعيد، ألا تراه أمره بأن يمد صوته حتى تكون الشهادتان مرفوعًا بهما صوته، فأمره كيما يرى ما ذكرناه (١).

فالجواب عن قولهم: "إنه كرر عليه ليغيظ"؛ باطل؛ لأنه قد روي عنه أنه قال: "علمني تسع عشرة كلمة" (٢)، ولا يكون ذلك إلا مع الترجيع، فحصل ذلك أصلًا.

وعلى أن أبا محذورة لم يخْفَ عليه ذلك المقدار، ألا تراه قال: فأذن مؤذن النبي ونحن متنكبون، فصرخنا نحكيه ونستهزئ به.

وعلى أن هذا نفس الدعوى، وعلى أنه لو كان للتكرار؛ لم يستدم الأذان


(١) واعتراض آخر ذكره القاري في مرقاة المفاتيح (٢/ ٣١٦) قائلًا: "وقد يقال: إن حديث أبي محذورة وقع أولًا، وسائر الأحاديث آخرًا، فيكون حديثه منسوخًا".
قلت: وفيه نظر ظاهر، ولو قيل بالعكس؛ لكان أولى؛ لما علم من تأخر إسلام أبي محذورة، ألا ترى أنه ذكر القصة في مرجع النبي من حنين. وسلك بعضهم ترجيح الروايات التي لم يذكر فيها ترجيع، وهو أولى من ادعاء النسخ، وإن كان الجمع أولى من هذا كله كما ستأتي الإشارة إليه.
(٢) تقدم تخريجه (٤/ ١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>