ومحتسب، ووال، فيجمعون على عمله حتى ربما تركوا له الخبر.
قيل: هذا لا يلزم من وجهين:
أحدهما: أن الوالي لم يكن يلي عليهم إلا وهو من أهل الاجتهاد في العلم، فإذا حدثت حادثة لم يكن فيها نص فاجتهد فيها، فحكم، ثم تبين للجماعة أنه قد أصاب في اجتهاده، اتبعوه، فحصل الحكم باجتهادهم، ولكن كان الأصل فيه ذلك الوالي، وهذا إن لم يكن في تلك الحادثة خبر يروى، وخرج الحكم باجتهادهم بخلاف ما يوجبه الخبر؛ قدموا القياس عليه؛ لأنه عندهم أولى من خبر الواحد إذا نافاه (١).
وربما كانت الصحابة قد عقلت من مقصد النبي ﵇ خلاف ما يوجبه ظاهر الخبر، فيعملون على ما فهموه، ثم يعمل من بعدهم على عملهم، وتكون الحاجة دعتهم عند حدوث حادثة ينظر فيها الوالي الذي يلي عليهم، فيظهر الحكم فيها.
وهذا لو كان مثله في عصر الصحابة حتى تحدث حادثة ينظر فيها بعض الأئمة فيحكم فيها باجتهاده، ويتفق اجتهاد الباقي على مثل ذلك، فيطبقون عليه؛ لم يجز أن يقال: إنما عملوه على قول الوالي عليهم وتركوا ما عندهم؛ لأن الإجماع يصح من طريق القياس.
والوجه الآخر: هو أن مالكًا ﵀ كان يحكي حكم الوالي عليهم تأسيًّا به؛ لأنه من أهل العلم والاجتهاد، كما يتكلم في المسألة ويحتج فيها، ثم
(١) انظر ما تقدم في المقدمة من الأصول في الفقه (١/ ٣٢٤).