للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مع اختلاف هممهم ودواعيهم في تأخير الصلاة وتقديمها، ألا ترى أن طائفة من الناس لهم رسم في مسجدهم أن يؤخروا الظهر قليلًا ويقدموا العصر، ورسم أهل البصرة في جامعهم على هذا شهادتهم عليه، وصارت كالسنة لهم، وطائفة من الناس يقدمون، وطائفة يؤخرون، وطائفة يتوسطون، فلو كانت المغرب (٢٨٨) بمنزلة سائر الصلوات؛ لوجب أن يكونوا فيها كذلك (١).

فإن قيل: فإنهم يستحبون تقديمها.

قيل: كل الصلوات لما كان لها وقتان؛ لم تتفق دواعيهم وهممهم على تقديمها على طريقة واحدة، وبعضهم يستحب التقديم، وبعضهم يؤخر، وفي المغرب هم على طريقة واحدة، لولا أن التوقيت ثابت في أن لها واحدًا مختارًا؛ لكانت هممهم تفترق فيها كما افترقت في سائر الصلوات.

ثم ما قلتموه فاسد؛ لأنه أمر ينقض التواتر لو كان هذا من غير توقيف في صلاتها في أول الوقت، ألا ترى أن هممهم ودواعيهم لم تدعهم إلى الإسفار بصلاة الصبح وهي مستحبة عندكم، ومع هذا فوجدنا خاص الناس وعامتهم ينكرون على من أخرها، ومع الإنكار عليه لا يتجاسر آخر على التأذين لها بعد اختلاط الظلام، بل هم متفقون على المبادرة بالأذان لها،


(١) أما ابتدار الناس إلى هذه الصلاة؛ فالسبب فيه - والعلم عند الله - أن العمَلة وأصحاب المكاسب يأوون ليلًا عند الغروب إلى منازلهم، ووقت الغروب غير بعيد من وقت غيبوبة الشفق، فلو لم يبتدروا هذه الصلاة؛ لغلب فواتُها على طوائف. نهاية المطالب (٢/ ١٥).
وأمكن أن يقال: إن إجماعهم - على تعجيلها - لوقوع الخلاف في امتداد وقتها الاختياري احتياطًا؛ لأن وقتها غير ممتد، وهذا بخلاف سائر الصلوات. أفاده القرافي في الذخيرة (٢/ ١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>