للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإن قيل: وجدنا البياض من توابع النهار، وصلاة العشاء لا تتصل بالنهار؛ إذ بينها وبين النهار صلاة المغرب.

قيل: ومن الذي قال لكم: إنها لا تقع في توابع النهار، مع أننا قد أوقعناهما جميعًا قبل الفجر الثاني وهو تابع للنهار.

والمزني يوافقهم، واستدل بأن قال البياض متقدم على مجيء الشمس، ويذهب بذهابها، فلما كان الصبح يجب بمجيء البياض الذي يتقدم طلوع الشمس، وهو البياض الأول؛ وجب أن تجب العشاء الآخرة بذهاب البياض الذي يذهب بذهابه، وهذا كسؤالهم الأول، وهو عكس.

ثم قد قلناه عليه وعليهم بما تقدم ذكره، وكل ما تستدلون به من "أن النبي صلاها حين اسود الأفق" (١)، وأن ابن عمر "صلاها حين ذهب بياض الأفق" (٢)، وما أشبه ذلك مما يدل على أنها تصلى بعد ذهاب البياض؛ فلا دليل لهم فيه على موضع الخلاف؛ لأن الذي يقولونه هو عندنا وقت الاختيار، وذهاب الحمرة وقت الاختيار، ففي أي الوقتين صلى؛ فقد أتى بالاختيار، فلا طائل لهم فيه.

فإن قيل: فإن معرفة وقت عشاء الآخرة مما يعم البلوى به، فلو كان وقته قبل غيبوبة البياض؛ لورد النقل به متواترًا، مثل سائر المواقيت.

قيل: إن عمل أهل المدينة وإطباقهم على أن الشفق الذي تجب فيه العشاء هو الحمرة، وهذا دليل في المسألة يجري مجرى التواتر.


(١) أخرجه أبو داود (٣٩٤) وقد تقدم.
(٢) نقله عنه أبو بكر بن العربي في الأحكام (٤/ ٣٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>