للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

على أن الاستعمال أولى من النسخ بالاحتمال، فقوله تعالى: ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ﴾ (١)؛ عام في الجهات الأربع، فيخص هذا العموم بالآية الأخرى فيمن يعلم، ويبقى العموم فيمن لا يعلم وقد اجتهد.

وجواب آخر: وهو أن قوله تعالى: ﴿فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾ (٢) أمر، والأمر لا يتوجه إلى من لا يعلم ولا يقدر على ذلك (٣)، فعلمنا أنه خطاب لمن يعلم الجهة ويقدر عليها، ألا ترى أن الآية الأخرى ليس فيها أمر، وإنما هو أي أنكم أين ما وليتم وجوهكم فثم وجه الله.

وجواب آخر وهو ما رواه عامر بن ربيعة قال: "كنا مع النبي ليلة مظلمة، فلم نرى أين القبلة، فصلى كل واحد منا على حياله، ثم أصبحنا فذكرنا ذلك للنبي ، فأنزل الله تعالى: ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ﴾ (٤).

وهذا يدل على ما ذكرناه من وجهين:

أحدهما: أنهم لم يؤمروا بالإعادة.


(١) سورة البقرة، الآية (١١٥).
(٢) سورة البقرة، الآية (١٤٤).
(٣) العلم والقدرة شرطان من شروط التكليف، يسقط بتعذرهما، قال في المراقي:
والعلم والوسع على المعروف … شرط يعم كل ذي تكليف
وانظر نشر البنود (٢٥ - ٢٧) والمذكرة (٣٦) مجموع الفتاوى (٢٢/ ٤١).
(٤) أخرجه الترمذي (٣٤٥) وابن ماجه (١٠٢٠) وضعفه الترمذي والبيهقي (٢/ ١١).
وله شاهد من حديث جابر تقدم قريبًا، وانظر نصب الراية (١/ ٣٠٤) والإرواء (١/ ٣٢٣ - ٣٢٤).
تنبيه: ذكر ابن قدامة في المغني (١/ ٦٣٢) أن الترمذي حسن الحديث، وليس كذلك؛ بل قال: "إسناد ليس بذاك"، وهذا تضعيف لا تحسين.

<<  <  ج: ص:  >  >>