للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والثاني: أن الآية نزلت في الذين لا يعلمون الجهات، فعرفوا أن الجهات كلها متساوية، فإلى أين صلوا؛ فهو إلى الله تعالى إذا اجتهدوا فغلب على ظنهم أن الجهة جهة القبلة.

وأيضًا فإن أمره تعالى بأن تولوا وجوهكم أمر بالإصابة، وهذا عندنا لا يتوجه إلا على من يعاين الكعبة، فأما المجتهد؛ فإنما أمر بالطلب ولم يكلف الإصابة، فصار معنى هذه الآية أي: "فولوا وجوهكم شطره" إما خطابًا للمعاين، أو يكون معناه في الغائب عن الكعبة: "فولوا وجوهكم شطره فيما يغلب على ظنونكم"، فهذا تكليفه، فإذا أدى ما كلف؛ لم يجب عليه غيره؛ لأنه قد أدى صلاته على ما هو شطر عنده، إذ ما عند الله لم يكلف إصابته إلا إذا كان معاينًا للكعبة.

فإن قيل: فإن قوله تعالى: ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ﴾ يدل على أن الموضع الذي يتوجه إليه هناك وجه الله تعالى، وهذا لا يفيد جواز صلاته.

قيل: هذا غلط؛ وذلك أن الآية نزلت في بيان الصلاة، فكأنه قال: فأين ما تولوا في الصلاة فثم وجه الله"، أي: التوجه إليه، وهذا [يفيد] (١) إقرارهم على ما فعلوه والحكم بجوازه؛ لامتناع أن يقال: هو متوجه إلى الله تعالى بصلاته فيما يحكم بفساده، ولو كان هذا يفيد إعادة الصلاة؛ لفهمت الصحابة وإعادة الصلاة في حال نزولها.

فإن قيل: فإن ابن عمر ذكر أن هذه الآية نزلت في التطوع (٢).


(١) في الأصل: لا يفيد، وما بعده يدل على زيادة "لا".
(٢) أخرجه مسلم (٧٠٠/ ٣٣) والترمذي (٢٩٥٨) وابن جرير (١/ ٦٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>