وقد قال بعض الناس: ليس بنفل ولا فرض؛ لأن صحة الصلاة لا تتعلق بلا نية، ونية الصبي لا حكم لها، وإنما يفعل ذلك على وجه الاعتياد.
فأما قياسهم على الطهارة إن صحت لهم علة؛ فلا يشبه؛ لأن التطوع من الطهارة ينوب عن فرضها، ولا يتغير لصلاة ما، ولكن من شرط الصلاة أن تفعل على طهارة، سواء كانت الطهارة لتلك الصلاة أو لغيرها، كما نقول: إن من شرط الاعتكاف أن يوقع في صيام أي صيام كان، لا أننا نوجب صيامًا لاعتكاف (١)، والصلاة تراد في نفسها متعينة، فلا ينوب تطوعها عن فرضها.
وعلى أن قياسهم منتقض بالحج على أحد قولين فيما أظن.
فإن قيل: فإن ارتفاع النقص لا يوجب إعادة صلاة مؤداة بشرائطها، دليله العبد يصلي ثم يعتق.
قيل: هذا تشبيه فاسد؛ لأن العبد مخاطب بأداء الصلاة، يجب عليه فعلها في حال نقصه، فإذا فعلها قبل العتق، أو أعتق وهو فيها؛ لم يغير حكم الفرض عليه، ألا ترى أننا نقول في الحج الذي ليس مفروضًا عليه في رقه: لو فعله وهو رقيق ثم أعتق أو أبق بعد إحرامه؛ أنه لا يجزئه عن فرضه،
(١) في عيون المجالس (٢/ ٦٧١ - ٦٧٣): "قال مالك ﵀: لا يجوز الاعتكاف إلا بصوم. وبه قال أبو حنيفة والثوري والأوزاعي وسائر الفقهاء. إلا الشافعي فإنه قال: ليس من شرطه الصوم. وممن قال شرطه الصيام من الصحابة: ابن عباس وابن عمر، وعائشة ﵃، وجماعة من التابعين. وقد حكي عن علي وابن مسعود أنه يصح بغير صوم. ومن التابعين الحسن البصري. وقد روي عن علي أنه قال: لا اعتكاف إلا بصوم وحكى ابن جرير الطبري عن الشافعي أنه كان يقول ببغداد: من شرط الاعتكاف الصوم، ورأيتهم يغلطونه، ويقولون: إنما نص في قوله القديم أن الصوم فيه مستحب".